Thursday, September 5, 2013

شاهد عيان - 48 -

دعاء عويضة


واليوم وبعد قرابة الثلاث أسابيع على تلك الحرب استطعت أن أدون شهادتي على هذا اليوم الذي لم أتخيل أن أراه يوماً في حياتي ..
علّني أستطيع تجاوزه قريباً ....

بعد العشاء يوم الثلاثاء 13/8 خرجت وإحدى أخواتي لنتفقد الميدان الذي كان كل يوم يتم إضفاء جديد عليه وأنا لم أكن قد ذهبت منذ عيد الفطر ،، فذهبت لأرى ملاهي الأطفال ومنصة الشباب وساقية رابعة والمنتدى السياسي وابتكارات المحافظات المختلفة في خيمها ،، كان الميدان وقتها ينبض بالحياة وكانت الفرحة تعلو وجوه كل من فيه أن أراد الله لهم التواجد هناك ،، كان متألقاً بكل معنى الكلمة ،، لم نكن نتخيل وقتها ماسيحدث في اليوم التالي ..

بعد أن تعدت الساعة الثانية عشر تقريباً وبينما ننتظر صلاة التهجد ،، في هذه الأثناء فتحت النت من موبايلي لأجد أخبار مؤكدة عن تجمع القوات لحصار ميداني رابعة والنهضة والبدء في فض الاعتصام وبعدها أنباء عن بدء الفض في النهضة ،، وقتها لم أرد أن أنشر الذعر بين الأخوات خاصة وأن آخر من كانت ستسافر منهن في قطار السادسة صباحاً أي ستغادر بعد صلاة الفجر مباشرة قبل أي نية للفض كما اعتقدت وقتها حيث كنا قريبين من صلاة الفجر ،، لم أخبر سوى أخت لي كبيرة والأخت التي كانت ستنتظر معي حتى المساء حتى إذا أرادت الانصراف انصرفت ،، وأشهد الله أني لم أجد منها تردداً في المكوث كما انتوت قبلاً كما أني لم أفكر حتى ..

صلينا الفجر وذهب من ذهب وبقيت أنا وأختي وغفونا قليلاً ونحن نقول الأذكار حيث كنا اليوم الماضي لم ننم جيداً لأننا انطلقنا من دمنهور باكراً ،، وأذكر وقتها أن الإخوة كانوا حريصين على بقاء الناس متيقظين فصاروا يشغلون الأناشيد بصوت مرتفع ،، فقالت لي أختي : وبعدين بأة احنا مش هنعرف ننام يعني أطلع أقولهم ؟؟ وقتها ضحكت من قولها رغم علمها باحتمال الاقتحام وقلت لها لا استهدي بالله واضح إنهم اتأكدوا إنه فيه حاجة وعاوزين يخلوا الناس صاحية ..

وفي حوالي السادسة استيقظت على صوت أحد الإخوة يدعو من في الخيمة للخروج لأن الضرب قد بدأ عند طيبة مول ،، فأيقظت أختي بهدوء حتى تصحو ونخرج للمنصة التي كان عليها وقتها د.صلاح ود.صفوت ينادون في الناس للخروج من الخيام ،، وبينما نحن نستعد للخروج فإذا بتليفون من أمي : دعاء تعالي علطول دول عاطيينكم ساعة وهيضربوا ،، لم أرد إقلاقها وقتها وإخبارها بأن الضرب قد بدأ بالفعل ؛ فرددت : ماتقلقيش ياماما مافيش حاجة أنا في الخيمة ومش هينفع آجي دلوقتي أنا حاجزة في ديزل 8 بالليل ؛ وأخذت أقنعها بإنه حتى لو فيه ضرب فالميدان هيكون أءمن من إني أمشي في وسطيهم لوحدي ..

أخذت أختي وخرجنا عند المنصة فإذا بدخان أسود كثيف جداً من مدخل طيبة مول وصوت ضرب متواصل ، د.صفوت أعلن على المنصة أننا جميعاً سنخرج في مسيرات وقتها اتصلت بالإخوة معنا لأعلم مكانهم حتى نكون قريبين منهم وقابلناهم عند الخيمة وطلبوا منا أن ننتظر هناك لكننا رفضنا لطلب المنصة خروج الجميع من الخيام وأخبرناهم أننا سنكون هناك عند المنصة ..

وسبحان الله فبعد انصرافنا بوقت يسير كان الضرب على الأربع مداخل وعلمنا أن الخيم قد تم دكها بمافيهم خيمتنا التي كانت في بداية شارع الطيران من ناحية الحرس ..

المهم في هذه الأثناء بدأ إطلاق الغاز بصورة كثيفة كان الإخوة والأخوات يوزعون الكمامات على الجميع والكثيرين معهم الخل والبيبسي والخميرة والميكوجيل حتى نتفادى آثار الغاز حيث لم تؤثر المضخات التي كانوا قد جهزوها من قبل من كثرة الغاز ..

وبعد 40 دقيقة من بدء الضرب أعلن د.صلاح سلطان أن عدد الشهداء وصل ل40 شهيد بمعدل شهيد/دقيقة وكان من بينهم طفلة رضيعة اختنقت من الغاز حملها أبوها على المنصة فبكاها وبكاها الجميع ..

كل هذا ونحن في وسط الميدان لاندري مايحدث على الأطراف سوى أننا نرى الدخان الأسود الكثيف في الجو عند كل المداخل ، والغاز بيننا ونسمع طلق كثيف للنار ومناظر الشهداء والجرحى يجرون بهم بيننا طوال الوقت وإحصائيات القتلى المستمرة ،، وبعض الرصاصات التي كانت تصل للمنصة مستهدفة الإعلاميين والمصورين بالدرجة الأولى ..

وكانوا من وقت لآخر ينادون على المنصة : "مجموعة شباب تروح ش الطيران // مجموعة تروح عند طيبة مول // مجموعة تروح ناحية النُصُب" فيذهب الشباب جرياً على أقدامهم ،، ثم سرعان مايعودون أيضاً جرياً ولكن محمولين على الأعناق مابين شهيد ومصاب ..

ومن اعتاد الذهاب لرابعة كان يعلم أن مشهد الطائرات التي تطوف بالميدان هو مشهد معتاد ،، إلا أن مالم يكن معتاداً هو تعلق الطائرة في الهواء كما كانت تفعل يومها فكانت تقف الطائرات فوق رؤوسنا لتمكن القناص بداخلها من التصويب على هدفه بسهولة ،، ووالله وقتها شعرت بأن هتافاتنا التي كانت تعلو عند رؤيتها هكذا تخيفهم فيذهبون ..

وظللنا هكذا حتى الظهر الذي عزمنا على صلاته جمع تأخير مع العصر لما نحن فيه ، وبعدها نادت المنصة أن المستشفى الميداني بحاجة للتبرع بالدم فأخبرت أختي أني سأذهب للتبرع وكانت هي قد أنهكها الغاز فجلست مكانها أمام المنصة وطلبت مني ألا أتأخر فهي تريدني أن أكون بجوارها إن حدث شئ حتى ألقنها الشهادة ،، حقيقة أخافني كلامها فترددت في الذهاب وتركها ليأتي في هذه اللحظة أحد الإخوة من دمنهور ليخبرني أن ابنة عمه وهي إحدى صديقاتي كانت موجودة في الميدان ولا يستطيع العثور عليها وتليفونها مغلق ، فأخذت منه رقمه حتى إذا وجدتها اتصلت به وتركت أختي جالسة وذهبت للمستشفى الميداني للتبرع بالدم والبحث عن الأخت الأخرى ..

عندما وصلت لباب المستشفى الميداني هالني مارأيت فالشارع الذي كان مليئاً بالخيام النابضة بالحياة صار كل مافيه رماداً والرصاص يتطاير في كل مكان ،، شكل الأرض جعلني أشعر بالدوار فكان عليها خليط من الرماد المختلط بالماء في محاولات إطفاء الحريق وكسا كل هذا دماء غزيرة وكانت الجثث والمصابين تنهال على المستشفى حتى أن السائر يخشى أن يعطل مرورهم المستمر ،، تمالكت نفسي ودخلت لأجد الكثيرين قد ذهبوا للتبرع بالدم وطلبوا منّا الخروج لأن البقاء في الميدان أولى فيما لديهم الكثيرين للتبرع فبحثت قليلاً في الموجودين لم أجد أختي التي كنت أبحث عنها فخرجت لأبحث عنها في الميدان ،، وخلال خروجي كان المصابين يرقدون على الأرض تغطيهم دماءهم بعد أن امتلآت المستشفى بالجثث والإصابات الخطيرة وقتها وقفت في مكاني ولم أستطع حبس دموعي والدعاء على من فعل هذا بصوت مرتفع وكان الإخوة الذين يحمون البوابة وهم منشغلون بما هم فيه يردون على دعائي "آمين" وصرخ فيّ أحدهم "ابعدي من هنا روحي هناك عند المنصة" ..

وكأن صوته أفاقني وذكرني بأختي التي تركتها عند المنصة فعدت مرة أخرى إلى هناك بعدما لم أتمكن من العثور على صديقتي الأخرى التي كنت أبحث عنها ،، وما إن عدت حتى بدأ رصاص القناصة يصل للمنصة وكذلك قنابل الغاز التي كانت تستهدف المنصة منذ وقت يسير ،، وهالني وقتها مشهد تكرر بعدها كثيراً في هذا اليوم ،، فبينما كنت أقف وأختي إذا برصاصة تصيب رجل كان يقف بجوارنا بسنتيمترات قليلة وكأن شيئاً فيه انفجر فنظرنا إليه لنجده على الأرض وقد انفجر رأسه فخرج مخه منها وانهار ابنه من هول ما رأى عليه والده ،، فحمله الإخوة سريعاً وانطلقوا به للمستشفى ..

عندها لم أستطع تمالك نفسي فاحتضنت أختي وأخذت أبكي ،، وصارت تقول لي اثبتي اثبتي ،، والله لم أشعر بخوف ولكنّي وقتها شعرت بخليط من المشاعر فبين استنكار لأن يقوم مصري بمثل هذا في أخيه وبين حزن على مايحدث وبين حزن على عدم اختيار الله لي وبين قلق على أختي التي شعرت بأني مسئولة عنها ..

يومها لم يكن الوقت له أهمية ولم نشعر به وكأن الزمن قد توقف أو كأننا نحن قد توقفنا عن الشعور به ،، توقفت كل الحسابات والاعتبارات ،، أذكر فقط أن الشمس كانت كلما اشتدت جاءت غيمة لتخفيها حتى أنني ظننت في وقت من الأوقات أنها ستمطر ،، لم نشعر بالحر أو بالتعب أو حتى بالخوف ،، كان الشعور الوحيد السائد وقتها هو الحزن الشديد على هذا المشهد وكأننا في وسط حرب نظامية ..

وقتها أذكر أن أحد الإخوة في التأمين خلفنا جاء يسأل عن مصحف فأعطيته مصحفي فذهب يجلس مكانه في التأمين وهو يقرأ ورده فقلت لو يعلمون هذا سلاحنا ونعم السلاح !!!

كان الناس وسط تلك الأحداث قد هالهم مايرون فخفتت أصواتهم في الهتاف ،، وقتها شعرت بغضب جعل صوتي يعلو بالهتاف حتى كأني لاأسمع سواه وكنت أقف في آخر الصفوف وكانت هناك أختان تقفان في المنتصف كانتا تفعلان مثلما أفعل حتى كأن هتافنا يذكر الرجال الوقوف بيننا بأنهم لابد وأن يهتفوا فينضموا لنا وكأني بهم يقولون مابالنا نترك هؤلاء الصغيرات يهتفن وحدهن ؟؟!!

وقتها شعرت بأن هذا هو دوري : أن أهتف ،، فقط أهتف !!!

وظللنا هكذا لساعات لا أتذكر عددها ،، فمابين طلقات تسقط البعض منّا ومابين قنابل غاز تخنقنا تارة ونبطلها تارة ومابين هتافٍ يعلو تارة ويخفت تارة ،، هذا بعيداً عن مانسمعه من أصوات تخلع قلوبنا على المداخل ولانرى مصدرها ،، كان يقول لنا بعض الوقوف أنها قنابل صوت ،، إلا أننا عرفنا فيما بعد أنهم قد ضربوا الحواجز في المداخل بقنابل حارقة ،، فلا أدري أي الأصوات كان لقنابل الصوت وأيها كانت للقنابل الحارقة ..

ومع اقتراب العصر على ماأذكر كان الضرب قد ازداد جداً أمام المنصة ووصل لها كثير منه وازداد الغاز جداً حتى أن قدرتنا على استيعابه -سواء بدخان البلاستيك أو بإغراق القنابل أو ردمها بالرمل- قد قلت جداً نتيجة لكثافته ،، كما أن تأثير المواد التي من شأنها تخفيفه مثل الخل والخميرة وغيرها صار يتلاشى وقتها فلم يعد أيهم يخفف من حدة الغاز ؛ فأخذنا نبتعد عن المنصة شيئاً فشيئاً هرباً من الاختناق حتى وصلنا إلى المدخل بين المسجد والمركز الإعلامي واللذان كانا قد تحولا إلى مستشفيات ميدانية وأماكن للاحتفاظ بجثث الشهداء ..

وقتها كنت شعرت أنّي على وشك الإغماء فدخلت وأختي -التي كانت تقريباً في مثل حالتي- لهذا المكان بُعداً عن قنابل الغاز حتى تهدأ قليلاً وفكرت في استغلال هذا الوقت في البحث عن صديقتاي اللاتي لم أستطع العثور عليهما قبلاً ،،، فدخلت المسجد للبحث عنهما لأجد ماصدمني ،، فالمسجد يمتلئ عن آخره بالنساء والأطفال وبعض الرجال ممن أنهكهم القتال فدخلوا ليستريحوا فضلاً عن المصابين حتى أنه لكثرة العدد كان يُخشى عليهم من الاختناق من الحر ،، وكان في المسجد ركن تم تجهيزه كمستشفى ميداني لعلاج إصابات الخرطوش البسيطة حيث كانت المستشفى قد امتلأت ،، وكان هناك ركن به مجموعة من الشهداء أشهد الله أن أصابعهم كانت تظهر من تحت الأكفان مرفوعة للتوحيد وأن الرائحة التي شممتها عندما اقتربت منهم لم أشمها قبلاً سوى عند المنصة بعد مجزرة النصب التذكاري وكانت أختي حريصة على رؤية وجوههم –بينما لم أستطع أنا- فراحت تطلب من أحد الوقوف أن يكشف لها وجه أحدهم وأقسمت لي أنه كان مبتسماً ابتسامة لم تر مثلها من قبل ..

وقتها أبكاني جلوس الأحياء مع الأموات مع الجرحى في مشهد أبعد مايكون عن الإنسانية وكأننا في مخيم للاجئين على حدود إحدى الدول التي انهالت عليها دول العالم حرباً وإبادة ،، ولا أعتقده كان سيخلف حتى هذا المشهد !!!

وظللت أبحث في المسجد حتى وصلت للساحة الخلفية فلم أجد من كنت أبحث عنهم فوقفنا قليلاً على طرف الساحة بعدما أخذنا هاتف أحد الأخوات التي قابلناها وكانت هواتفنا قد نفذ شحنها لنحاول الاتصال بمن نبحث عنهن علنا ننجح هذه المرة حيث لم تكن هناك شبكة في الميدان ..

وبينما نحن واقفات نحاول الاتصال إذا بالرصاص يصل لهذا المكان المكشوف من المسجد ،، فطلب منّا الرجال الدخول للمسجد للابتعاد عن الرصاص ،، فدخلنا ووقتها قابلنا إحدى الأختين اللتان كنا نبحث عنهن ،، وبمجرد أن رأتني أخذت تعانقني وتبكي لاتستطيع الكلام وأنا أحاول تمالك نفسي حتى أثبتها وأهدّئ من روعها ،، وجعلتها تتصل بابن عمها الذي كان يبحث عنها وأخذتهم وخرجنا أمام المسجد لنبحث عن الأخرى التي سرعان ماوجدناها بفضل الله ..

كان للاثنتان دور في المستشفى الميداني الخاص بالمسجد فطلبت منهما البقاء فيه بينما أعود أنا للمنصة حتى نحافظ على العدد أمامها فراحت إحداهن تصرخ "بلاش يادعاء المكان برة مكشوف جداً" وبينما كنت أقنعها بضرورة التواجد هناك لأنه ليس لي دور مثلها هنا إذا بأحدهم يقول لنا المنصة انضربت خلاص ،، صدمتني هذه الكلمات وكأن أحدهم ضربني على رأسي ولم أصدقه في البداية حتى رأيت الأعداد تتزايد في المكان بين المسجد والمركز الإعلامي فعرفت أنه تم فض الميدان بالفعل وخرج الناس للأطراف ،، وقتها كنت أفكر في لو أن هؤلاء المجرمين انتبهوا للأعداد الهائلة في هذا المكان الضيق وضربوا علينا ماذا سنفعل فقنبلة غاز واحدة كافية لخنق الجميع ..

لم أظل أفكر هكذا طويلاً حيث سرعان ماحدث ماكنت أفكر فيه وراحوا يطلقون القنابل علينا وكانت القنابل منذ بدية اليوم تُطلق من عربة مدرعة بقوة دفع كبيرة إلا أني لم أستوعب كيفية وصولها إلى هذا المكان الضيق إلا إن كانت المدرعة بالفعل قد دخلت إلى الميدان أو أنها كانت تُلقى بطائرة ،، ولكن في كل الحالات توقعت أن الميدان قد تم اقتحامه بالفعل ويجري الآن تصفية المتبقين على المداخل ..

 الجميع وقتها كان يجري من حولنا حاملاً جرحى وشهداء ،، الجميع يبكي ،، الكل حزين ،، ياالله المشهد مأساوي الدماء في كل مكان وكذلك الرصاص في كل مكان !!!

عندها أخذت قراراً بالانصراف ورحت أبحث عن مخرج حفاظاً على أخواتي خاصة بعد انتهاء دور الجميع واعتقادي بعدم جدوى الوقوف هكذا فالميدان قد تم فضه بالفعل وعربات البث تم استهدافها والمصورون منذ فترة ،، والآن يقومون باصطيادنا كالعصافير –على حد قول إحدى أخواتي- بالرصاص ،، ورحت أقنع الأخوات الثلاثة بذلك حيث كنت أكبرهن واعتبرت نفسي مسئولة عنهن في هذه اللحظة ولم أكن لأتصور أن تصاب إحداهن بأذىً أو يلم بها مكروه ،، شعرت وكأنّي أقنع نفسي قبلهن ..

وكنا قد قابلنا أخين قبلها من دمنهور كانا يبحثان عنا فسألناهم عن مخرج فرد أحدهم بانفعال أنه لامخرج وأننا سنموت هنا ،، ثم عاد بعدها يعتذر إن كان قد أخافنا بكلامه وأخبرنا أنه في حالة حدث الفض سنخرج معهم ،، وحقيقة أذهلنا رده فمابين استغراب وفرح وحزن فهمة هذا الشاب وإصراره أسعدتنا ولكن شعورنا بالحصار كان مايحزننا ..

وقتها اكتشفت أن هناك الكثير ممكن كانوا يبحثون عن مخرج منذ الصباح إلا أنه لم يكن هناك مخرج لأنهم ببساطة شديدة لم يكونوا يريدون خروج أحد بل كانوا يريدون إبادة الجميع ..

ووقفت بعدها مع أخواتي الثلاثة في باب المسجد لانستطيع الدخول أو الخروج من شدة الزحام ،، وكان الغاز يملأ المكان فراحت الناس تخرج من المسجد سريعاً هرباً من الاختناق بالغاز ليجدوا أنفسهم أمام طلقات الرصاص الكثيفة في هذا المكان حتى أن رصاصة دخلت من شباك المسجد فأردت شهيداً في لحظة ،،  وقتها شعرت وكأنهم يستجيرون من الرمضاء بالنار فيهربون من الغاز للرصاص ونحن الأربعة نقف في باب المسجد لاندري ماذا نفعل ولانجد في تحركنا فائدة فسلمنا أمرنا لله ووقفنا مكاننا وكانت الساعة وقتها قد قاربت على الخامسة تقريباً فتيممنا وصلينا الظهر والعصر ونحن واقفات لشدة الزحام حولنا ولم أجرؤ حقيقة وقتها على طلب ترديد الشهادة من أخواتي خشية إخافتهن والوضع لايحتمل بالأساس فطلبت منهن تجديد النية إلا أنهن فهمن ما أقصد فأخذن يرددن الشهادة ؛ حينها وجدت نفسي أردد بصوت عالٍ اللهم اكفناهم بما شئت وكيف شئت إنك على كل شئ قدير ،، كنت أردد هذا الدعاء وأنظر في عيون الخارجين من المسجد الذين كانوا يرددون من قلوبهم آآآآآآآآمين وأتساءل تُرى متى تتقابل تلك الوجوه المرة القادمة ؟؟؟!!!

لا أدري كم من الوقت ظللنا هكذا وكان صوت الرصاص ينهال من كل مكان سواء بطلقات متفرقة أو رشاشات بطلقات متتابعة كانت تقطع قلوبنا ،، والتي كانت تُطلق من الطائرات ومن القناصة على المباني الجانبية ..

وبينما نحن كذلك حتى جاء أحد الإخوة ليخبرنا أن النساء والأطفال ستخرج ؛ فسألته وقتها وأنتم ؟ فأجابني : احنا بأة ربنا يسهل فوجدتني أصرخ في وجهه هتستنوا ليه هما مش عاوزين يفضوا ماتتفاوضوش معاهم على نساء وأطفال تفاوضوا على الكل ..

المهم ذهبنا لهذا المخرج وهم الناس بالخروج ليطلبوا أن يضع الخارجون أيديهم على رؤوسهم بينما الضرب لازال مستمراً وهو مارفضه من تفاوضوا معهم فأعادونا مرة أخرى للمسجد ،، وبعدها عدنا مرة أخرى للمخرج وخرجنا والضرب لازال مستمراً لم يتوقف ،، وأحسب أنهم فكروا بما أن الضرب في كل الحالات لن يتوقف فليخرج من يستطيع الخروج ..

وبينما نحن نخرج فإذا بأحد القناصة يقف خلف المسجد ويقول لأحد الأخوات أخافها استمرار الضرب أثناء خروجنا " ماتخافيش ياحاجة " فاستنكر الجميع قوله باستهزاء ،، فصرخ فينا يالا بسرعة مش سامعين الضرب ،، لم أستوعب وقتها هل لديهم انفصام في الشخصية ؟؟ فأنت من تضرب وأنت من تطالب الناس بسرعة الهرب من الرصاص ،، طالما أردت الفض فلم تضرب على الخارجين ؟؟!!!

مالا أستطيع استيعابه حتى الآن ،، هو ماهية هؤلاء بالتأكيد لم يكونوا بشراً مثلنا لديهم حتى بعض العقل أو القلب ،، ولا أستطيع نعتهم بالحيوانات فأنا بذلك أسئ للحيوانات صاحبة القلوب الرقية ،، لا أستطيع وصفهم سوى بالآلات التي تنفذ الأوامر دون تمريرها على قلب أو عقل ،، فهي مُبرمجة على ذلك ؛

خرجنا ولا نستطيع إيقاف دموعنا على إرغامنا على ترك الميدان بهذا الشكل ،، وما أن خرجنا وعلى بعد مسافة قصيرة جداً حتى سمعنا صوت دوي ورأينا دخان أسود كثيف فوق الميدان من مكان خروجنا لنعلم بعدها أن المجرمين قد أرغموا الأطباء على الخروج ليحرقوا المستشفى الميداني بمن فيها من شهداء ومصابين متبقين ..

خرجنا من الميدان بقلوب دامية لانقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل !!!

مر اليوم ولا أحسبنا سننسى صوت الرصاص أو شكل الدماء أو أنات أهالي الشهداء أو نظرات الشهداء ..

وفي النهاية من يظن أن هذا اليوم كان فضاً لاعتصام فهو مخطئ فمن يريد فض اعتصام يضرب ليخيف المعتصمين ويترك لهم مخرجاً يفضون منه اعتصامهم ،، أما ماحدث فلايمكن تسميته سوى حرب إبادة فقد ضرب ليقتل وحاصر المعتصمين من المداخل الأربعة فلا يستطيع أحدهم أن يخرج ..

وكلما استعدت المشهد الآن وقع في نفسي أنه لولا هؤلاء الشباب الذين دافعوا عن الميدان بصدورهم العارية فلاقوا ربهم شهداء -بعد إرادة الله أولاً- لكانوا فعلوا برابعة كما فعلوا بالنهضة وانتهى أمر الجميع في أقل من ساعة ،، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك في ظل هذا الدفاع المستميت عن الميدان من قِبل هؤلاء الأبطال الذين ندين لهم وتدين لهم مصر بأكملها ،،فهؤلاء هم خير جند وليس قاتلوهم ..

وأخيراً تلك كانت شهادتي على هذا اليوم الذي لا أحسبه سيُمحى من ذاكرة من شهدوه مهما طال بهم الزمن ،، وقد كتبتها وأنا على يقين أن المشهد أبشع من ذلك بكثير فكلٌ منّا رآه من زاوية واحدة ،، ولو وضعت كل الشهادات معاً ماوفينا هذا اليوم حقه ،، ولكن لانملك إلا قول حسبنا الله ونعم الوكيل ،، اللهم انتقم !!!!

No comments:

Post a Comment