Sunday, September 8, 2013

شاهد عيان - 53 -


خالد الشافعي


من مشاهد المجزرة
 :
- علمنا ليلتها أن الفض سيكون الليلة وليست مجرد اشاعات ومع ذلك لم يخطر مجرد خاطر ببالنا أن نغادر
- قبل السابعة صباحًا بقليل كنت أنا ورفيقي عند بوابة التأمين حين ظهرت طلائع جيش الاحتلال
- لآخر لحظة كان عندي أمل أنهم لن يفضوا الاعتصام وأنها مجرد مناوشات
- بدأ إطلاق الغاز بكثافة وبدأت ملحمة صمود أسطورية
- ظهرت ثلاث سيدات منتقبات بدا من حركتهن أنهن متقدمات في العمر ظهرن في الخطوط الأولى للمواجهة ، بذل الشباب معهن محاولات مستميتة ليتراجعن دون جدوى ، كن يهتفن هتافًا مختلطًا ببكاء شديد وبدأن في جلب الطوب والحجارة للرجال وأظن أنهن قتلن في أول من قتل
- كان الغاز كثيفًا ومميتًا وبدأ تساقط الأطفال كالدجاج
- لم ألحظ محاولة واحدة من جانب المعتصمين للهروب من المعركة
- ظهرت جرافة عسكرية مصفحة اربكت حسابات المقاومين وتمكنت من التقدم سريعًا وهزيمة أكياس الرمل
- سرعان ما تجمع المقاومون من جديد وتمركزوا عند بناية كبيرة تحت التشطيب ومن فوقها وحولها صمدوا ١١ ساعة متواصلة وأذاقوا قوات الاحتلال سوء العذاب
- كانت الجرافة المصفحة تقتلع كل ما يقابلها حتى حملت السيارات كاللعبة وطوحتها في الهواء وأعمدة الإنارة بعد أن قطعوا الكهرباء مسبقًا
- صمد الشباب صمودا معجزا أمام اطلاق نار جنوني واطلاق غاز مسعور
- تشكلت فرق خلع بلاط الارصفة وفرق تكسيره وفرق توصيله للرماة
- تشكلت فرق خلع اخشاب الشجر وجمع كل الزجاجات البلاستيكية وتم اشعال نيران جبارة في طريق المصفحة ولا اعلم الى الان كيف لم تنصهر
- أول رقم ضحايا سمعنا به كان وصول عدد الضحايا لمائتين وقد فجعنا ذلك
- بسبب جسارة الصمود وبعد ٥ ساعات من المقاومة بدأ جيش الاحتلال في استخدام الطائرات في القصف وانتشر القناصة على مباني الجيش المحيطة وزادت كثافة الغاز كما بدأ استخدام قنابل صوتية تخلع القلوب
- بدأ الرجال يتساقطون بمعدل غير طبيعي
- كانت شجاعة النساء تفوق الخيال فهذه تحمل الحجارة وهذه تحمس القاعدين وهذه في مواجهة اطلاق النار
- واجهت الموت بالغاز اكثر من مرة والغاز لا يعطيك فرصة لتنطق الشهادتين
- صرخت في مراسل السي ان ان : هل رايت معنا اسلحة ؟ فقال : لا ، قلت له فلتخبر العالم إذن
- اتشاهد يا ابراهيم ، قالها لصديقه وهو يراه في سكرات الموت ، كانت عبارة : اتشاهد يا فلان لا تنقطع من حولي
- رأيت رجلًا يجري وهو يصرخ بينما النصف الأسفل من ذراعه يرقص بعد ان اصيب في مفصله برصاصة ثم سقط ارضا
- بينما كنا نجلس ونستند للحائط جاءت رصاصة في راس من بجواري
- كانت كل شقق رابعة خالية من سكانها وكان هناك ملايين ممن يتعرضون للابادة ويشعرون بظلم المجتمع ويموتون من العطش والجوع والغضب ومع ذلك فوالله ما رايت حالة نهب واحدة ، بل أكثر من ذلك كان هناك سوبر ماركت أغلق أبوابه على عجل وترك ثلاجات المياه والعصائر بالخارج وكان الناس يموتون من العطش وعلمت أنهم كانوا يضعون الثمن من تحت باب المحل
- في النهاية خارت قوى المقاومة وبدأنا الانسحاب
- ونحن نغادر رابعة شاهدنا أحقر مشهد في التاريخ ، كان جيش هتلر يحرق خيمة الجثث كي يطمس جريمته وبكينا كلنا
- خرج المصابون بجراحهم النازفة على أقدامهم
- كان مشهد المغادرة تاريخيًا
- موتى ومصابون ونساء وأطفال ورجال وشيوخ
- كانوا يجرون أقدامهم جرًا ، كانوا كمن أجبر على الخروج من وطنه وترك داره وملاعب صباه
- كان مشهدًا جنائزيًا يقطع القلوب
- كان من الواضح أن بداخل كل منهم شيئًا قد انكسر وحلمًا تعرض لضربة موجعة
- لكن رغم كل ذلك كان من الواضح أن الجميع قرروا مواصلة سيناريو الغضب حتى آخر نقطة دم

من ذكريات رابعة

No comments:

Post a Comment