Saturday, September 14, 2013

شاهد عيان - 54 -




عماد الدين السيد


يوم فض رابعة قضيت معظم الوقت مع
 Almowhed Ballah Abdelrhman 
و محمد ماهر عقل ... كنا خلف مسجد رابعة في شارع موازي لشارع الطيران، وطلعت مع موحد صورنا من فوق
 العمارة اللي تحت الإنشاء، وكان المعتصمين قاعدين فيها بيحدفوا طوب ومولوتوف على المدرعات اللي كانت تحتهم ... ساعات يردوها وساعات تتقدم ... وكان أي حد بيطلع راسه من الشباك أو البلكونة بيتقنص فوراً ... والمعتصمين كانوا مش عارفين يستخدموا المولوتوف كويس والمولوتوف مكانش بيولع كويس، و Omar Ismail قال لي وإحنا في العمارة إن فيه واحد جه يولع زجاجة مولوتوف راح مولع في الصندوق كله ولولا ستر ربنا وإنهم رموا الصندوق كله من العمارة كان زمانه حرق نفسه واللي حواليه ... وبعد كدة تلاقي واحد يقول لك إن الإخوان مسلحين ... ده أنا مشفتش ناس مش عارفة تتعامل مع المولوتوف بالشكل ده !

بس اللي متقدرش تنكره هو الصمود ... الأعزل اللي واقف في وش جيش دولة وقادر يصمد عشر ساعات كاملة ... ومش خايف ... والله مش خايف ... ولو خايف فواقف مكانه ثابت ... باسم يوسف - الله يجازيه على أعماله - خلى ناس كتير من الشعب تصدق إن هتافات الإخوان: ع القدس رايحين شهداء بالملايين، كلها مبالغة، وإنهم بيجاهدوا بالهتافات بس ... وضحك وضحك الناس عليهم ... بس اللي شفناه في رابعة كان غير كده ... شفنا شباب ونساء وأطفال وشيوخ واقفين صامدين في وجه جيش دولة بيضرب بالرصاص الحي والقنابل الحارقة وقناصته في كل مكان ... عشر ساعات كاملة من الصمود تُدرس في كتب المقاومة ... شعار رابعة أصلاً هو شعار مش للنصر إنما شعار للصمود العظيم ... باسم اخترع الكدبة علشان يضحك الناس ... والناس صدقت الكدبة وضحكت ... واللي اتضحك عليهم يوم ما صمدوا واتقتلوا ... باسم ماعتذرش ... باسم بص بعيد وسكت !

ومن كتر التعب نمنا أنا وموحد في العمارة يمكن نص ساعة أو أكتر شوية ... على كوم رمل بينما صوت الرصاص في كل مكان حوالينا ... ومعرفناش ننام في الأول لإننا كنا قلقانين أحسن يكونوا اقتحموا العمارة، بس في الآخر قررنا ننام واللي يحصل يحصل ... أو التعب هو اللي غلب القلق ... مش عارف بقى ...

كنت سبت الميدان على حدود الساعة تلاتة الفجر ... بس رجعت أول ما بدأ الفض ... أنا وموحد و Mohannad Galal وأول ما دخلنا اتفرقنا ... مكانش معايا قناع غاز بس كانوا بيوزعوا في رابعة ... والأستيك بتاع القناع اتقطع وموحد لما قابلته تاني بعد كدة ربطه لي ... ربنا يجازيك خير يا موحد ... ورحت ناحية ميدان المنصة وفضلت قاعد ورا جدار مع ناس كتير قاعدين بس ... مجرد إحساس إنهم بيحموا المكان حتى لو مش معاهم أي سلاح ... واحد منهم كان بيتكلم في التليفون وبقول لقريبه: بيضربوا علينا رصاص حي ... وبعد كدة سكت شوية ووشه إحمر وزعق وقال: أسيب المكان يعني إيه ... مش هاسيبه طبعاً ... هو إحنا بنقول إننا بننصر الحق ويوم ما ييجي وقت النصر نسيبه ونمشي. اتصابت وقتها بخرطوشة في إيدي جت لي وأنا بحاول أصور المدرعات

رجعت على ناحية طيبة مول، وشفت بقى مشهد مش قادر أنساه، كانت المدرعات على حدود المستشفى الميداني ... لما شفت المدرعات اتخضيت فعلاً من المشهد ... دي مدرعات وأسلحة زي اللي بنشوفها في الحروب الكبيرة ... ولقيت شباب واقفين بيضربوهم بطوب ... المشهد كان هزلي فعلاً ... طوب إيه اللي ممكن يأثر في دبابات بالشكل ده ... ولقيت نفسي فجأة واقف مع شاب ماسك باب حديد أو صفيح مش عارف ... والمدرعات محاصرانا من ناحيتين ... وسمعت صوت طلقات خرطوش بيخبط في الباب ده ... وأنا فاتح الكاميرا وباصور ومش عارف باصور إيه ... والشاب مع كتر الخرطوش اللي بيخبط في الباب بص لي وضحك وقال: كدة مش هينفع ... كان شاب شيك جداً وباين عليه مش بتاع بهدلة. بس الموقف كان عبثي لأقصى درجة ... وأعتقد إنه مجاش على باله إنه يقف ماسك باب حديد قصاد مدرعتين عاوزين يقتلوه ... حاولت أبعد شوية عن الباب واصور راحت خرطوشة خبطت في صدري وقطعت التيشيرت بس الحمد لله ماكملتش ... رجعت بسرعة وانا مش مصدق اللي بيحصل ... وبعد شوية لما بعدت كتير ورحت ناحية شارع الطيران اكتشفت إني سبت الشاب ده مع الباب لوحده ... وفكرت إن الحل الوحيد علشان يكون لسة عايش إنه يكون قرر الرجوع لورا وهو ماسك الباب ... بس يا ترى رجع ولا فضل واقف ... زي كتير فضلوا يتحركوا خطوة واحدة لورا من كتر إيمانهم بالفكرة

وقابلت موحد وقال لي إن مهند اتصاب برصاصة في رجله، رحنا له لقيناه في خيمة ورجله مربوطة وكان فاكر إن الرصاصة لسة في رجله ... عكزناه وأخدناه على عمارة كانوا حولوا مدخلها لمستشفى علشان كان يعرف حد جوه ممكن يطلع له الرصاصة. سبناه عند مدخل العمارة ورجعنا تاني نصور عند شارع الطيران

كان الميدان فيه خطوط قنص كتير ... قناص كدة يقف وياخد له خط بيقطع الميدان وأي حد يعدي يقنصه فوراً ... علشان الناس متتجمعش وتفضل متفرقة في مجموعات قصيرة ويقطع كل خطوط الإمدادات والمساعدات ... وشفنا ناس كتير ماتت قدامنا في خطوط القنص دي ... وجربت لأول مرة أجري بسرعة وأوطي راسي عاى أمل إن القناص ميلحقش يضرب ... وصورت مع محمد ماهر عقل تقرير على خط من خطوط القنص دي ورا جامع رابعة وهو بيشرح الفكرة والناس وهو بتوطي وتجري ... بس للأسف لما العسكر مسكوني آخر اليوم وضربوني أخدوا الكاميرا وأخدوا كل اللي صورته معاها 

آخر اليوم، ومن كتر القتل اللي شفناه، بقيت بامشي وسط الميدان ومش فارق معايا خطوط القنص دي كتير ... ورحنا أنا وموحد صلينا العصر قدام منصة رابعة مع ناس تانية ومخفناش رغم إنهم العسكر كانوا وصلوا خلاص على بعد 200 متر أو أقل من جامع رابعة ... كنت وصلت لمرحلة من قريبه من اليقين إني مش هاموت لإني ماستحقش ... لإني قلبي بعيد عن الإيمان ... ولإن ربنا بيصطفي الشهداء وانا أكيد مش منهم ... فبقيت ماشي مش خايف أوي ... وبسمع صوت الرصاص جنب ودني بيزن ومش قلقان ... بس في لحظة لقيت الناس بتنده عليا بسرعة أنا وموحد ... بصينا لقينا مجموعة قاعدة تحت خيمة جنب المنصة وبيقولوا لنا تعالوا لإن فيه قناصة ... قعدنا وسطهم ... وبصيت حواليا ولقيت شيوخ كبيرة وشوية شباب ... قاعدين مش عاوزين يسيبوا الميدان بس مش في ايديهم حاجة يعملوها غير الصمود ... وحسيت لأول مرة بشعور الزمرة المؤمنة ... وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً ... وفرحت أوي وقلت بيني وبين نفسي إني هاتباهي قدام ربنا بالكام دقيقة اللي قعدتهم وسط الناس دي ... بس قررنا نمشي في النهاية لإننا كان لازم نوثق اللي حصل ده ... وللأسف الكاميرا أخدها العسكر ومبقاش فاضل عندي غير شوية كلام ... وقلب بيتعامل مع الحياة بطريقة مختلفة

No comments:

Post a Comment