Thursday, August 22, 2013

شاهد عيان - 21 -


عمرو عمران



مكنتش عايز اتكلم عن اللي حصل في رابعة عشان كل ما افتكر الاحداث دي بانهار فعلن و مقدرش امسك نفسي بس مضطر اتكلم عشان اخد بالاسباب و عشان شفت كمية صحابي اللي عشت معاهم سنين و شيفين دلوقتي صورة تانية خالص
- انا الحمد لله كنت من الناس اللي فضلوا موجودين في رابعة لغاية اخر دقيقة الحمد لله و هحاول اقولوكو على قد ما اقدر بعض الاحداث
- مبدايا الضرب على طوول بدا رصاص حي و غاز و خرطوش و فشنك كلوا في نفس الوقت يعني مكنش فيه موضوع التدرج خالص
- اول ما الضرب بدا دخلت الخيمة اجيب الكمامة و النضارة بتوعي عشان الغاز لقيت ولاد صغيرة كتيير عمالة تعبي بخاخات خل و خميرة
- ابتدينا بعد كده نطلع الستات و العيال الصغيرة عمارة كانت فاضية و شقق ناس صحابنا عشان نبعدهم عن الضرب
- شوفت عيلة من اب و ام و بنتين جم الميدان اول ما عرفوا ان الضرب بدا و لا معاهم سلاح و لا هما دكاتره جم بس عشان ميسيبوناش وقفين لوحدينا
- معداش نص ساعة و ابتدت المصابين يجو مستشفى ميداني صغير كان جنب الخيمة بتاعتنا عشان هية اقرب و صعوبة التنقل من ضرب الرصاص
- صوت الرصاص الحي و دانات الصوت كان رهيب و مرعب لدرجة اني شوفت شاب كبير المفروض انو متربي على الشهاده قاعد يقوول مش عايز امووت مش عايز اتصاب
- شوفت شاب تاني كبير مش صغير من كتر الرعب و الاحساس انو محاصر لان الضرب كان كل اتجاه عمل حمام على نفسو و قاعد يعيط على الارض
- كانو محتاجين ناس عند المداخل تنقل مصابين عشان هما كتير الحماسة خدتني انا و واحد و قولنا الشهاده و رحنا المدخل اللي عند يوسف عباس
- في نص الطريق و الضرب شغال و احنا ماشيين على طرف الطريق محاولة للهروب من القناصة لقينا و احد قدمنا اخد رصاصة في بطنو و وقع
- مباني الجيش حوالينا كانت مليانة عساكر افتكرناهم قناصة لاكن ناس جنبينا قالولنا دول بيصوروا بس. بيصورونا و احنا بنتعدم بس.
- من الرعب اللي شفناه و من كتر ضرب الرصاص الحي اخدنا في الطريق نص ساعة تقريبا و نص الوقت كنا نايمين على الارض بنحاول نتفادى الرصاص
- مقدرتش استحمل اني انقل مصابين كل اللي قدرت اعملوا اني دعيت للناس على البوابة ربنا يثبتهم. مش عارف كانوا قادرين يستحملوا ازاي
- كان حلمي ساعتها اني ارجع عند الخيمة تاني على الاقل اموت و سط ناس اعرفهم عشان جثتي توصل لاهلي على طوول
- رجعت للخيمة على الساعة ١١ تقريبا و اتفجأت بكمية المصابين اللي ابندوا يعالجوهم في الخيمة بتاعتنا لان مفيش مكان في المستشفى اللي جنبينا
- انا كنت واخد قرار اني هشوف اي حاجة احمي نفسي وراها و خلاص. نفسيا مكنتش هقدر استحمل اعمل اي حاجة و كنت بعيط بطريقة هستيرية
- منظر المصابين الكتيروالدكاترةو هما بيدوروا على اي حد يساعدهم و اصحاب المصابين و هما بيصوتوا و بيدوروا على اي دكتور يساعدهم خلاني اتحرك تاني
- ٩٥ ٪ من الصابات رصاص حي تقريبا مشفتش خرطوش و كمية مصابين رهيبة لدرجة اننا ساعات كنا بندوس عليهم
- مكنش عندنا وقت ندي بينج للناس كنا بنخيط كل الجروح حتى اللي في الاماكن الحساسة من غير بينج
- بما اني دكتور اسنان و افهم شوية في الخياطة و الاسعافات قلت اقوم اساعد باي حاجة و بحاول اريح ضميري باي طريقة
- قعدت ٣ ساعات في المنظر ده وشايف صرخات و تاوهات المصابين و هما قاعدين يتقلبو من الالم و مش قادرين ياخدو نفسهم من الغاز
- ساعتها قررت اني مش عايز اتصاب يا رب استشهد و اجيلك على طول يا رب انا الابتلاء ده مش هقدر اصبر عليه
- الي كان مصبربنا طوول الوقت الاستغفار و الدعاء السحري اللهم اكفيناهم بما شئت و كيف شئت انك على كل شيئ قدير
- شفت اب جايب ابنو واخد رصاصة في دماغه و طلعت الرصاصة اللي في الدماغ مبتموتش على طوول زي الافلام الولد كان قاعد يتلوى على الارض من الالم و يصرخ اه اه و باباه يبكي لقلة حيلته و يقولو قول الشهاده يا عمر قول الشهاده يا عمر
- شوفت واحد دخل خيمة جنينا و كان تقريبا معاه سلاح و لفو بشال كده الناس جريت عليه و اخدتو هوه و السلاح و راحو بيه ناحية المنصة
- كنت سامع المنصة كل شوية تطلب ناس عند المستشفى الميداني و بعد شوية تطلب ناس تاني هناك كل مرة كنت بعرف ان الناس الاولانية دي خلاص مبقتش معانا
- شفت مصابين خرطوش مش قادرين يتحركوا من الالم بس لما بنقولوهم في اصابات اهم مش هنقدر نعملوكو حاجة كانو بيخروجوا رجالة على طوول من المستشفى
- من اول الساعة ٣ ابتدى ضرب الرصاص يزيد بكثافة مهولة و ابتدا الشهداء يتساقطو من جوه الخيمة عندنا
- من اول الحظة دي الساعة ٣ تقريبا كل الناس حاوليه نايمين على الارض بيتفادو الرصاص شباب اطفال بنات سيدات رجالة و حتى العواجيز كلوا بيزحف
- شفت بنات صغيره متعرش حاجة عن الطب لاكن من اللي شافوه بقوا بيساعدوا الدكاترة و عرفوا اسامي الادوات و الحقن
- كان فيه كمية حالات عايزة تتنقل مستشفيات و مش عارفين ننقلهم مهولة و كان كل اللي في ايدينا اننا ننيمهم على جنب حتى يلقوا ربهم
- واحنا على الرض دخل واحد صاحبي يدور على قريبه قعدنا نقولو قعد قعد معداش ٥ ثواني و لقيتوا وقع على الارض. اخد رصاصة في دماغو انا كان بقالي فترة مبعيطش اتعودت على المنظرلاكن بصيتلواوهوه بيطلع في الروح و ايقنت اني مش هشوف خلاد صاحبي تاني ممسكتش نفسي هستيريا من العياط
- اللحظات الاخيرة في رابعة مصابين جنب شهداء مفيش مكان ننقل فيه حدناس شغالة و ناس من اللي شافتوواقفة زي الاصنام مبيتحركوش مبيعيطوش احياء اموات
- لحظة الهروب الخيمة بتتهز و لمحت الجرافة على اول الرصيف سامعين صوت انفجارات حوالينا مش عارفين نسيب الميدان و لا كده تولينا يوم الزحف
- مقدمناش مكان نروحو غير اننا ندخل حرم المسجد و المستشفى كان فيه سور حديد الناس بالغريزة الانسانية للحفاظ على ارواحهم خلعوا السور الحديد
- انا بجري و سايب ممتلكاتي في الخيمة بجري و سايب ذكريات شهر و نص ورايا بجري و انا مش بفكر غير في حاجة واحده يا رب متالمش شهيد على طوول يارب
- كمية الناس الي استشهدت في اخر نص ساعة مهولة كان التامين و قع و المدرعات بتضرب فينا و مفيش بينا و بينها ساتر غير ربنا
- اتقسمنا فريقين في الخر ناس هربوا لمستشفى رايعة و ناس دخلت المسجد و كان ضرب الرصاص فوقينا مبيقفش بيجي في الحيطان جنبينا و الشجر فوقينا
- انا كنت من الناس الي دخلوا المستشفى و فوجئنا ان المبنى واجهتو زجاج ولا عاصم لنا غير الله
- صمت رهيب جوه المستشفى و قاعدين بنراقب المرعات و هية ماشية قدامنا بتضرب اي حاجة بتتحرك قدامها من غيير تمييز
- في اللحظة دي واحد صاحبي جنبي قلي احنا مش هنتحرك حتى يقضي الله امرا كان مفعولاو الناس كانت بتبص لبعض و تبتسم و تقول نتقابل في الجنة ان شاء الله
- ابتدى رصاص يخرم الزجاج و يدخل المستشفى نمنا كلنا على الارض رغم امتلائها بدماء الشهداء مبقاش فارق حاجة خلاص
- اضربت قنبلة غاز على الباب و كنا و قعنا كل الكمامات و الاقنعة اللي كانت معانا جرينا كلنا للبدروم تحت اللي كنا مدخلين فيه البنات و الاطفال
- تقريبا ٢٠٠ انسان فقدوا كل مظاهر الحياة ببص للناس مبتتحركش لولا ان عيونهم بتتحرك كنت قولت انهم ماتوا كلهم
- مفوقناش غير صوت زجاج رهيب بيتكسر عرفنا ساعتها ان ابواب المستشفى اتكسرت و ان القوات فوقينا خلاص
- كان في سلم في الاخر بيطلع فوق تاني ابتدا يجيلنا امل تاني اانا ممكن نهرب طلع ٣ شباب الأول سمعنا ضرب نار قريب قوي و لقينا جثثهم بتقع علينا
- و بعد كده سمعنا قوات الأمن بتقولنا قدامكول ٥ دقايق و تخرجوا كلوكو او هنخلص عليكو طلع كام راجل تاني سمعنا رصاص في البداية و بعد كده وقفوا
- الناس كملو طلووع و مفيش صوت رصاص فعرفنا ان كده ممكن نخرج و ابتدينا نطلع
- طلعت و لاول مره اشوف الكائنات اللي كانت بتضربنا خارج المدرعات اجسام ضخمة اسود في اسود اسلحة مشفتهاش في حياتي و لا حتى في الافلام
- خارجين كلنا رافعين قدينا و بنبصلهم جامد مش مامنين منهم و نتعجب ازاي ربنا خلق حاجات زي دي لا تمتلك ذرة من النسانية
- خارجين و لم نسلم من نظراتهم لنا و السباب قاعدين يعيرونا و يقولولنا يا بتوع سوريا يا ارهابيين
- خارجين و ارى في وجوه الناس نظرة توحي بولادة جيل جديد لا يجد متسع له في هذا البلد و لا العالم اجمع ولن يرضى باقل من جنة الخلد
- خارجيين و شايفين الاهالي بيصورونا و يتفرجوا علينا و قد علمنا ان هذا الشعب قد فقد اخلاقه و انسانيته
- خارجين و جثث اخواتنا بنات و اطفال مرمية على الارض متداس عليها و متعرية خايفين نوطي نحطها على جنب او على اقل تقدير نغطيهم
- احنا مخسرناش في رابعة احنا ازدادنا يقين و ايمان لم نرى مثيلا له تم صناعة جيل لن يقهر باذن الله

انا كتبت ده عشان اي حد من اللي اعرفهم يحاول يهرب من عذاب ربنا يوم القيامة و يقول مكنتش اعرف اقف في و شوا و قول يا رب ده كداب انا قولتو

اخرحاجة هقولها ان الدين مش مجرد شعائر و عبادات الدين اذا كان عاجبكم هوه حياة كاملة لا تتوقف لحظة و اسلوب حياة و اخلاق لا يصح الا بالالتزام بها

No comments:

Post a Comment