Wednesday, August 28, 2013

شاهد عيان - 44 -


حمدي أحمد خليل





رحلتي مع الموت .. والشهادة التي لم أنلها !!!
----------------------------
إنه يوم الأربعاء 14 أغسطس 2013 الساعة السادسة صباحاً، وقت بدء هجوم كلاب الداخلية والجيش لفض اعتصام رابعة.
إنه اليوم المشهود الذي سيظل شاهداً على أقذر مجزرة حدثت بحق أبناء مصر، إنه اليوم الذي فقدت فيه مصر زمرة من خيرة شبابها ونسائها على أيدي 

السفاحين.
بدأت الأحداث الساعة السادسة صباحاً حيث كنت هناك وبدأ الهجوم من ناحية طيبة مول على طريق النصر ثم بدأ الهجوم من كل الشوارع الرئيسية 

والفرعية وانتشرت سحب الغاز المسيل للدموع واعتلى كلاب القناصة الأسطح وحلقت الطائرات الحربية فوق رؤسنا وكأننا في معركة حربية، وبدأ تساقط 

الجثث وبدأت الأرواح الذكية تستعد للقاء ربها واستمر هذا الحال طول اليوم.
في حوالي الساعة الثانية عشرة ظهراًوأنا بجوار المنصة أصبت بخرطوشة فيجفن عيني اليمنى من الأسفل ولكن المسافة كانت بعيدة جداً فشعرت بألم 

خفيف وسقطت بلية الخرطوش ولم تخترق جسمي وحتى الآن أسفل عيني (مزرق) من أثر الإصابة.
وفي حوالي الساعة الرابعة عصراً وأنا واقف امام بوابة مسجد رابعة العدويةفي شارع الطيران أصابني قناص بطلق في وجهي فسقطت على الأرض 

ولكني كنت مدرك لما حولي بصورة معقولة ولم أستطع أن أنطق الشهادة فالطلق اخترق فمي بالكامل ولكني رددتها في نفسي أكثر من مرة وكنت أقاوم 

لأني أدرك أني لو استسلمت فسوف أموت وظللت مرمي على الأرض لفترة طويلة حتى حملني أحد الإخوة لا أعرفه وحاول إدخالي المستشفى الميداني 

ففشل لأنها كانت مكتظة فحاول إدخالي المستشفى الموجودة حلف مسجد رابعة عند منطقة الحمامات وكنت اتكأ عليه في طريقي للمستشفي وكان 

جلد وجهي يتدلى مني، فقابلت الدكتور محمد البلتاجي فاستوقفته وأخذت بيده ورفعتها للسماء علامة على الصمود والنصر، ثم أكملنا طريقنا للمستشفى 

فأطلق علينا الكلاب الرصاص فرقدنا على الأرض لمدة تجاوزت العشر دقائق حتى جازفنا ومررنا بسرعة ودخلنا المستشفى.
وحين وصلت كان عدد الشهداء والمصابين كبير أيضاً فرموني على الأرض لمدة كبيرة ولمحت الدكتورة هدى غنية واقفة بجواري تسعف المرضى وكنت 

ساعتها أشعر بدنو أجلي فظللت أجذبها من طرف جلبابها وأنا ملقى على الأرض فتنظر إلي وتقول حاضر يا جبيبي !!! ولكنها لم تفعل شيء فالوضع كان 

مأساوي ثم بعدها بدقائق نقلوني لمكان آخر ورموني في الطرقة وجاء طبيب فعلق لي محلول و حاك (خيط) لي خدي وتركني.
بعدها قالوا أن جميع المصابين يجب أن ينزلوا فنزلت مستنداً على الأخ الذي كان معي وخرجنا من المستشفي فوجدنا رابعة قد سويت بالأرض ووجدنا 

مدرعات الشرطة فقال لنا ظابط اخرجوا من هذا الإتجاه وذهبت بالأخ باتجاه شارع الحراسة الذي كنا مكلفين بالحراسة فيه وتوجهت إلى سيارتي وأشرت 

للأخ الذي كان معي بيدي سائلاً إياه هل تجيد القيادة؟ فقال لي لا فأشرت له ان اركب وأنا أقود سيارتي وأنت بجواري وكان لا يزال المحلول شغال وهو 

يحمله، في هذه الأثناء سألني الأخ عن بلدي فكتبتها لها على علبة المناديل الموجودة في السيارة وأخرجت هاتفي واتصلت بوالدي وأعطيت الهاتف الأخ 

وأشرت له أن يقول لوالدي أني مصاب وأني في طريقي إلى المنزل.
وانطلقت حتى وصلت لطريق النصر باتجاه كوبري أكتوبر فكان هناك تواجد للشرطة فسمحوا لنا بالمرور لما رأوني على هذه الهيئة وبعدها قابلت تواجد 

للجيش ويقف بجوارهم البلطجية فأبوا أن نمر وأخذوا الأخ الذي كان معي فاستدرت وأخذت الطريق الذي بجانب منصة السادات، كل هذا وأنا لا زلت أنزف.
في هذه الأثناء لمحت الدكتور صلاح الفرماوي والأخ حسام ممدوح والأخ أحمد عبدالحليم والأخ عبدالرحمن كله والأخ رجب عبيد والأخ هاني سعيد فكأن الروح 

دبت في وكأني غريق وجد من يتعلق به إذ لم أكن أتصور كيف استطيع أن أقود السيارة كل هذه المسافة، فنزلت لهم ولما رأوني صعقوا وركبوا السيارة 

وتولى الدكتور صلاح الفرماوي القيادة واسترخيت وأخذنا الطريق الدائري باتجاه بلدتنا وقالوا لابد أن نمر على مستشفى فذهبنا لمستشفى السلام وفي 

طريقنا اعترضتنا لجنة شعبية وأصروا (ولاد الكلب) إنهم يسلمونا للقسم رغم أنهم يرون حالتي وبالفعل سلمونا لقسم أول السلام ولكنهم تركونا بعد أن 

سرقوا كوريك السيارة وفلاشة النت.
وذهبنا للمستشفي فرفضت استقبال الحالة.
فأكملنا طريقنا وعدنا لقلما وذهبنا مباشرة للدكتور حسام زقزوق فوجدت العائلة كلها عنده فعلق لي محلول وحاول إيقاف النزيف وقال يجب ان أنقل 

للمستشفي فاتصلوا بالاسعاف وفي هذه الأثناء جاء البطل الدكتور طلعت سعد الذي لولا أن ساقه الله إلينا في هذا الوقت لكنت في عداد الموتى إذ أن 

حالتي هي في صميم تخصصه وإذ أنه يعرف الأطباء في معهد ناصر.
وانطلقنا صوب معهد ناصر وهناك دخلت العمليات كما أخبروني من الساعة الواحدة صباحاً وخرجت الساعة الخامسة صباحاً على الرعاية المركزة وظللت بها 

يومين ثم نقلوني إلى قسم العظام لمدة خمس ايام وبعدها سمحوا لي بالخروج وعدت إلى منزلي.
حالتي الآن:
-----------------
تم إجراء عملية أولى وفيها وجدوا أن الطلق الناري دخل من خدي الأيمن وخرج من أعلى رقبتي من ناحية اليسار ودخل في كتفي الأيسر واستقر في 

زراعي على بعد حوالي 15سم من مكان دخوله في كتفي.
وجدوا فمي مدمر ووجدوا قطع عظام غير موجودة ووجدوا تكسر في أخرى وجروح داخلية فخيطوا وجهي من الخارج بحوالي 40 غرزة.
وفي نهاية العملية قاموا بغلق فكي بالسلك ومن ساعتها وفمي مغلق ولساني حبيس ولا أتكلم فقط أكتب ما اريد.
كل أكلي الآن أكل مضروب في الخلاط وآكله عن طريق الحقن (سرنجة) في فمي.
المرحلة القادمة سيحدد الطبيب الإستشاري إن شاء الله ما سيتم فيها وهناك 3 خيارات أمامه كما أخبرني طاقم الأطباء في معهد ناصر وهو إما أن يقوم 

بفتح فمي للتنظيف لو أن الالتهابات لا تزال موجودة ويغلقه مرة أخرى وإما أن يقوم بالتنظيف وتركيب شرائح لتثبيت الأجزاء المكسورة من عظام الفكين وإما 

أن يقوم بالتنظيف وتركيب الشرائح وتركيب عظام مكان العظام المفقودة عن طريق أخذها من مكان آخر من جسدي.
---------------------------------------
اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل معاناتي وآلامي وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن ينعم علي بالشفاء العاجل شفاءاً لا يغادر سقماً وأن يجعلها لعنة على السيسي وعلى كل من أيد قتلنا ورضي به.

No comments:

Post a Comment