Thursday, August 22, 2013

شاهد عيان - 23 -

عبد العزيز طارق الشابوني

https://www.facebook.com/abdelaziz.elshabouny


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته     ..  اولا انا بشكر كل الناس اللي اتصلت بيا تطمن عليا امبارح         ، و بعتذر للناس اللي ما ردتش و اللي مش هرد عليها ، لأني قافل صوت التليفون   بتاعي  من امبارح لأني مش قادر اكلم حد .. انا بس هحكيلكم اللي شوفته امبارح في رابعة.. انا صحيت الساعة 8.30 على خبر اتمام فض اعتصام النهضة و استمرار فض في رابعة..  نزلت و روحت عند مسجد السلام في مدينة نصر على 9.30 او 10 و فضلنا واقفين نهتف ،  كل شوية نلم ناس حولينا و نطلع مسيرة و نفضل احنا نهتف و نلم ناس حولينا .. صلينا الظهر و روحنا على رابعة.. انا وصلت لقيت المكان عبارة عن خرابة كبيرة كأن قنبلة ضربته،  و بنزينة موبيل مولعة ، و كل حاجة محروقة و المكان كله غاز مسيل للدموع ، لدرجة ان اول ما دخلت نفسي اتكتم و عينيا حرقتني لحد ما واحد رش على وشي خميرة ، و تقريبا كل الخيام اتحولت لمستشفى ميداني ، او مكان لتخزين الضحايا.. الناس هناك كانت بتستقبلنا بالاحضان و الدموع .. كانوا تعبوا من كتر الضرب ، كان املهم فينا بعد ربنا .. المهم كان الاعتصام تقريبا اوشك على الفض ، بس كان الضرب نسبيا واقف، الا ان القناصة كانوا واقفين على المباني بيصطادونا زي الحمام و احنا جوه الميدان حتى مش ناحية الحواجز.. انا ماشي في الشارع و جنبي اخويا الصغير، سمعنا صوت 3 طلقات ، وطينا بسرعة  و جرينا، لكن الراجل اللي ورانا مالحقش يفوت .. الرصاصة جت في راسه و وقع على الارض و الدم سايح منه .. بس بعد كده بقى صوت الرصاص و قنابل الضغط عادي جدا ، لأنك لو وطيت راسك مع كل رصاصة هتقضيها زحف.. انتوا عارفين معنى ان الموت بيحاصرك من كل حتة.. اول مرة افهم معنى "و لقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رأيتموه و انتم تنظرون ، احنا فعلا كنا شايفين الموت بعنينا..المهم كننا واقفين في شارع الطيران ورا الحواجز .. كان قدامنا شارع شمال بعده عمارة بتتبني ، العمارة دي كانت تعتبر خط الدفاع الاخيرلينا ، و مرصصين الصوب فوق بعضه على شكل اسوار طوب في كل دور ، و معاهم شوية مولوتوف .. شوية كده و عربيات الامن قربت علينا و بقيت شايفها بوضوح ، دول ما كانوش بعتين داخلية ، دول باعتين قوات خاصة في مدرعات .. احنا مش شايفينهم خالص .. المدرعة فيها 3 او 4 فتحات من كل جنب يخرج منها السلاح .. غير كده مش شايفين حاجة تاني..  و فتحوا النار علينا بشكل غريب .. جريت انا و اخواتي الاتنين ناحية الحاجز .. اخويا الصغير اختفى من جنبنا فجأة و طبعا ما عرفناش نوصله لأن مفيش شبكة في رابعة ، مبقيناش عارفين هو عايش ولا ميت ،ده حتى اخويا الكبير كان حاسس اننا هنشوف جثته متشالة ي اي لحظة .. انا فضلت واقف مع اخويا الكبير عند الحاجز.. لما شوفنا المنظر كده ، بصراحة انا مرميتش حتى طوبة واحدة،  الطوب ما بيجيش في المدرعات .. و اللي بييجي مش بيأثر حاجة .. و هما بيضربوا نار بشكل عنيف جدا ، كل الضرب كان آلي و قناصة من فوق العماير اللي حوالينا و قنابل صوت و قليل اوي خرطوش ، لدرجة اننا كان بيوحشنا الخرطوش من كتر الآلي، كانت الناس بتقع حوالينا ، و اللي بيحاول ينقذ مصاب بيتضرب جنبه ، كان فيه ضرب شديد جدا على العمارة اللي لسه بتتبني ، لدرجة ان حواجز الطوب اتكسرت فتافيت من كتر الضرب،  و العمارة رمت طوب و مولوتوف و ما كانش بيأثر خالص مع المدرعات دي .. إلا مدرعة واحدة ظباطها سابوها و نزلوا يجروا.. زاد الضرب علينا و على العمارة،  و انا و اخويا الكبير واقفين من غير اي ردة فعل.. رجعت ورا و حاولت اكلم اخويا الصغير، و قفت مع والدتي و اخويا الكبير عند كشك على الشمال و كان الضرب بيشتغل علينا من فترة للتانية، في مرة من المرات اتضرب علينا جامد ، لدرجة ان الراجل اللي قدامي اتصاب و وقع،  و اللي ورايا (مع انه ما يعرفنيش و معرفوش) اخدني في حضنه و نيم راسي على كتفه و وقع بيا على الارض .. فين و فين رد عليا اخويا و قالي انه كان في العمارة و كان واقف في الدور الارضي مع الناس ، كان الضرب عليهم شديد جدا و الطوب كان بيتكسر و يطير في وشهم ، و قالي ان الظباط  دخلوا عليهم العمارة و قتلوا شوية منهم و سمحوا للبعض انه يخرج و الباقي قتلوه او اعتقلوه .. ضباط قوات خاصة .. كلهم عضلات و لابسين اسود فاسود و ملثمين و معاهم آلي .. عرفت ساعتها ان احنا على ارض الواقع و بالحسابات الاستراتيجية و الميدانية مفيش فايدة من محاولة صد الهجوم   .. كنا محتاجين معجزة فعلية ..  لكن للاسف ، لسنا في زمان أبرهة.. دخلت انا و امي و اخويا الكبير عند قاعة 2 في مسجد رابعة.. القاعة كان ليها بابين ، باب بيطل على جنب المستشفى الميداني و بينهم طرقة ضيقة ، و باب بيطل على المسجد و بينهم طرقة اوسع شوية ، و دي اللي كنت قاعد عندها.. مدرعات الشرطة كانت بتقولنا (بصوت متسجل بيذيعوه و يكرروه) روحوا اخرجوا من شارع النصر باتجاه النصب التذكاري ، اخويا فكر ياخدنا ويخرجنا من هناك، بس عرفنا ان اي حد بيحاول يروح هناك كان بيتقتل قبل ما يوصل  ، و لو وصل بيعتقلوه .. ما بقيتش عارف اعمل ايه،  قعدنا مستنيين قدرنا عند قاعة 2 ، بصراحة انا مش عارف اللي انا عملته كان صح ولا غلط .. هل اخرج و اجاهد و استشهد مع ان مفيش فايدة ،  ولا افكر بمبدأ سيدنا خالد ابن الوليد ، و اوفر نفسي ليوم تاني يكون فرصتنا فيه احسن .. كانت طوابير الشهداء و المصابين بتعدي قدامنا واحد ورا التاني ، و بنشوف الاصابات قدامنا من كل الاعمار.. اللي لاحظته من الاصابات ، ان دول مش عساكر هبل.. دول بيضربوا في اماكن حساسة هما عارفينها .. الرقبة ، الراس حتى الفخد من الناحية الداخلية من قدام .. المنطقة دي بالانجليزي اسمها (فيمورال كانال)، كمية الاصابات عند المنطقة دي كبيرة جدا، دي منطقة بيعدي فيها شريان و وريد لازقين في بعض ، يعني الاصابة فيها قاتلة ( و الكلام ده انا عارفه لأني طالب في طب و اي حد درس تشريح الانسان هيعرف الكلام ده) .. فضلت قاعد بتفرج و مش عارف اعمل ايه ..لقيت هناك فعلا خير اجناد الارض ، الناس عمالين يحمسوا بعض : يلا يا شباب ساعدوا اخواتكم ، و لقيت واحد من سني جه وقف جنبي و بينده : رجالة اسكندرية فين .. رجالة اسكندرية فين ، واستغربت لما اللي رد عليه واحد اصغر مننا و خرجوا مع بعض ..حاولت انا و اخويا الكبير نخرج من ناحية شارع النصر نشارك مع الناس ، لما قربنا من الشارع لاقينا عدد رهيب من الجثث و المصابين داخلين ورا بعض محمولين ، 8 او 9 ورا بعض ، ايقنت ساعتها ان مفيش فايدة ، و رجعت لرأي خالد ابن الوليد ، و اتمنى من الله ان يغفر لي تقصيري ناحية الناس اللي ماتت .. قعدت عند قاعة 2 مع امي و اخويا مستنيين الموت .. مستنيين في اي لحظة يدخلوا علينا يموتونا ، و كان اكبر خوفنا انهم يرموا علينا قنابل غاز في الزحمة دي .. كنا هنشوف بعض كلنا و احنا بنموت موت بطيء ، كان معانا رجالة كبار و شيوخ و نساء و بنات من سننا كتييييييير و اطفال .. و بالفعل ده اللي حصل .. رموا علينا قنبلة غاز اولى كل الناس دخلت جوه القاعة و المسجد ، و حاولت افضل بره قدر الامكان عشان اساعد الناس انهم يحطوا القنبلة دي في الميه ،بس بسرعة صدري قفل عليا و معرفتش اتنفس و عينيا و وشي حرقوني و مناخيري سالت ، بصيت ورايا لقيتهم بيقفلوا باب القاعة ،دخلت القاعة و انا بكح انا و امي ، ما كنتش قادر اخد نفسي لدرجة اني حسيت اني هموت ، حاولت اشم خل او حاجة ، لقيت صدري حساس لريحة الخل و مش عارف اخد نفسي ، لحد ما واحد جه لحقتني انا و امي بخميرة .. و اخويا كان خرج من الباب التاني للقاعةو ما كنتش لاقيه ، خرجت اشوفه بره في الطرقة و بالمرة اخد نفس ، لان الجو جوه القاعة كاتمة جدا و مليانة شهداء و مصابين ،فجأة و انا بره لقيت ناس جاية بتجري من على شمالي و بيدخلوا المسجد و القاعة ، و فجأة حسيت ان صدري قفل عليا تاني و عينيا بتحرقني ، دي كانت قنبلة الغاز التانية ، بس المرة دي معرفتش ادخل القاعة ، كانت اتملت تماما و الناس واقفة براها .. فضلت واقف لحد ما الغاز راح الحمدلله ، جه اخويا الكبير اخدني انا و والدتي و دخلنا القاعة و خرجنا من الباب التاني ناحية المستشفى الميداني و قعدنا هناك مستنيين .. هناك كان ضرب النار شغال نسبيا ، الرصاص كان بييجي في الشجر اللي قدامنا ، عرفنا ان الداخلية قربت جدا .. و فجأة لقينا دخان كبير طالع من المستشفى الميداني و الناس بتنطلنا من الشباك .. الداخلية حرقت المستشفى باللي فيها من الجثث ، و طبعا لو فيها مصاب معرفش يخرج.. والدتي كانت قاعدة على كرسي واحد اداهلولها .. لقينا رجال دقنه بيضاء و شكله كبير .. و لابس قناع  بتاع غاز ، والدتي قامتله من على الكرسي و فضلنا نقوله اقعد يا حاج و هو مش راضي ، لحد ما قعد ..تبين بعد كده لما قلع القناع  انه د.عصام العريان .. و كان قاعد ورايا على سلم  نور عبدالحافظ (خميس) و كان معاه 3 بنات من اسرته في سني او اكبر شوية ، ده بس عشان لسه فيه ناس بتقول قيادات الاخوان بترمي الشباب ، مع ان بنت البلتاجي اللي عندها 17 سنة من اول الناس اللي استشهدت امبارح .. و فضلت واقف انا حاضن والدتي مستنيين الشهادة لحد ما جالنا خبر ان هما هيسمحولنا بالخروج ، بس نخرج بهدوء تام و ما حدش يكلم حد ، و ما حدش يخرج شايل مصابين ، المصاب اللي يقدر يتعكز و يخرج خرج ، انما اللي مش قادرين يمشوا نسيبهم ، لقيت نور عبدالحافظ بيقول لبناته خدوا عمكم عصام واطلعوا انتوا و انا هبقى احصلكم ، و بنته تعيط ، و هو يطبطب عليها و يقولها ما تخافيش عليا هجيلكم .. كان الكلام ده على حوالي 5.20 او 5.30  او بعد كده ، مش فاكر الوقت بالضبط .. و فعلا خرجنا من القاعة من ناحية المسجد ،  لقيت الضباط سيطروا على المكان تماما ، كلهم لابسين اسود فاسود و ملثمين و معاهم آلي .. خرجنا مكسورين بشدة ، و رغم كده وقف رجالة بمعنى الكلمة قدام الضباط يقولوهم احنا راجعين و مكملين ،حسبي الله و نعم الوكيل فيكم ، ربنا يقعدهولكم في عيالكم .. كنا في قمة الحزن و الحسرة ، حتى الرجالة عيطوا ، مش من الخوف .. بس من القهر على دم الناس اللي ماتت من اول الثورة ، و ما عرفناش نجيب حقهم .. تلاقي الرجالة و احنا ماشيين في الشارع بيعيطوا في حضن بعض ، و الشباب بيعيطوا في حضن الراجل اللي كان ماسك منصة (شباب ضد الانقلاب) ، وشباب صغيرين بيقولولنا ما حدش يعيط احنا رجعين و مكملين ، الثوار ما يعيطوش ، و اول ما خرجنا في الشارع فضلنا نهتف يسقط يسقط حكم العسكر ، وحياة دمك يا شهيد .. ثورة تاني من جديد .. قابلت اخويا الصغير و حكالي اللي حصل معاه ، بس انا مش هقوله عشان مبقاش قولت حاجة انا ما شوفتهاش ، بس هو كمان شاف الموت .. الناس كانت بتقع بالرصاص من حواليه .. روحت و عرفت نبأ استشهاد شباب حوليا كانوا معانا .. و اصابة ناس و اعتقالات لناس .. عمر حمدي ، واحد انا معرفوش ، بس اخوه محمد حمدي معايا في المدرسة اصغر مني بشوية .. بس بحبه جدا من زمان ، و عيلته معرفة عيلتي .. خلاد اسامة ، نسيب صاحبي .. تامر شعيب ، و غيرهم كتير ، و كل جنازة اروحها الاقي اكتر من شهيد .. و محمد صديقي و حبيبي .. مصاب بطلق في الحنجرة .. ابن خالتي و اصحابه مصابين بالخرطوش .. و عبدالله ربيع ، صاحبي في الكلية ، كان بايت في المستشفى الميداني في النهضة بقاله 24 يوم .. و اعتقلوه و ما حدش عارف هو فين .. عمرو جمال عمران ، معتقل من رابعة و ما حدش يعرف مكانه .. احمد نجم و احمد عبدالعال و احمد يوسف ، اصحابي في الكلية ، اعتقلوا امبارح في السويس ، و اتحولوا للنيابة العسكرية ، و متوجلهم تهم زي ما تحبوا تسمعوا ، و دول كانوا موجودين معانا في رابعة ، و زميلهم الرابع كان اعتقل في احداث الحرس الجمهوري ، و هو صاحبنا برده .. اللي حصل فينا ده كان ابشع من حرب غزة  ، احنا بنتكلم عن آلاف القتلى في ميدان  واحد .. اقل تقدير انهم 3000 شهيد .. دي كانت عملية ابادة و تصفية .. و لسه فيه ناس بتقول اننا ارهابيين و نستاهل .. باختصار ، حق الناس دي مش هيضيع ، و اللي فاكر ان الثورة انتهت يبقى واهم  ، احنا لسه في البداية .. و اللي لسه مقتنع اننا ارهابيين ، معلش انا مش عايز اعرفك ، على الاقل الفترة دي .. لأن انا مش احسن من الناس اللي ماتت ، و انت مش احسن من صحابي اللي ماتوا ، و كان ممكن اكون ميت دلوقتي .. او امي او حد من اخواتي .. و مش هستنى لما تموت و تيجي تقول ده كان مغيب .. معلش انت مش صاحبي .. انا مش بصاحب غير البني آدمين

No comments:

Post a Comment