Sunday, August 25, 2013

شاهد عيان - 33 -


دعاء عماد



وجع ولادة الوطن .. يمكن تستغربوا من العنوان .. بس هو فعلاً الوطن مش هيتولد إلا باللى احنا فيه الأيام دى والمحن اللى بنمر بيها .. ليميز الله خبيثنا من طيبنا ، بإذن الله هكتب هنا كل حاجة حصلت وشوفتها يوم الإبادة الجماعية فى ميدان رابعة العدوية .. من بالليل بعد ما منصة ألترس نهضاوى خلصت فعالياتها قبل الفجر بحاجة بسيطة قالوا ان جالهم أخبار إن بنسبة 90% هيحصل ضرب انهاردة .. احنا كل اللى اتوقعناه ان هيبقى زى يوم مذبحة المنصة .. هيحاولوا ع المداخل ونصد أد ما نقدر .. ما تخيلناش اللى حصل ده أبداً إن يبقى من فوقنا طيارات وقناصين ومن تحت رشاشات وضرب بالمدرعات وأسلحة محرمة دولياً ....إلخ المهم فضلنا ماشيين مع ألترس نهضاوى نصحى الناس فى الميدان .. عشان كله يبقى متجمع عند المنصة وماحدش فى الخيام .. بعد ما الفجر أذن صليت وما كنتش قادرة أواصل أكتر من كده .. قولت هنام شوية فى الخيمة .. جيت الساعة 6:30 الصبح بيندهوا فى الميدان ان كله يصحى الجيش استعد للضرب .. قومت مفزوعة وطلعت أجرى من الخيمة .. وانا بلبس الكوتشى الضرب بدأ .. قالوا كله يروح عند المنصة .. رحت بسرعة اتجاه المنصة بس وقفت عند المستشفى الميدانى .. هى جمب المنصة .. وانا واقفة واحدة صاحبتى جمبى جالها خرطوش فى دراعها .. وواحد قدامى جاله فى صدره وفضل يصرخ ووقع على الأرض .. بعدين الحالات جت واحد ورآ التانى للمستشفى الميدانى .. فى إصابات فى البطن والرجل .. بعدها بشوية بقت الإصابات فى مناطق قاتلة .. وكان اللى بيدخل المستشفى أغلبهم استشهد بالفعل ، روحت باتجاه المنصة أدور على اختى وفضلت واقفة قدام المنصة بالظبط .. بدأ الغاز يترمى علينا من كل حتة .. و طلع واحد ع المنصة بنته رضيعة فضل يجرى بيها عشان يبعدها عن الغاز ماعرفش لحد ما ماتت فى إيده ! و مصور الجزيرة والمساعد بتاعه اتقنصوا قدامى ع المنصة ! وبعدين دخلنا خيمة نتحمى فيها عند المنصة .. الخيمة دى كان فى اطفال وأمهاتهم بيتحموا من الغاز فيها .. فجأة اترمت جمب الخيمة بالظبط قنبلة غاز .. والخيمة مسدودة من الناحية التانية .. انا كان ظهرى للقنبلة و كنت استنشقت هوآ كتير ماكنتش أعرف انها اترمت .. فجأة لقيت لا هوآ طالع ولا هوآ خارج واختناق بشكل فظيع وحرقان فى الصدر زى ما يكون شربت ميّة نار .. وكبيت على عينك ميّة مغلية .. ومن كتر التدافع قطعنا الجانب التانى من الخيمة و واحدة دخلت فى دراع الشنطة بتاعتى وجرتنى على الأرض وانا مش عارفة آخد نفسى والطرحة اتلفت على رقبتى اكتر .. حتى مش قادرة انطق الشهادة .. فخلعت الشنطة باللى فيها والرجالة لحقونا الناحية التانية بخل وبيبسى وبصل وبخاخات وكده .. بدأت اعرف آخد نفسى شوية .. كل ده والضرب مستمر من غير انقطاع .. والقناصين فوق العمارات .. وضرب بالطيارات .. والشهداء بيتساقطوا فكل حتة ! بدأوا بعد كده يحرقوا الخيام لحد ما وصلوا للمستشفى الميدانى وكان الضرب عليها مكثف جداً .. وبعد كده حرقوها ! احنا كنا مفكرين انها اتحرقت بالأطباء والمصابين والشهداء ! بس بعد كده واحدة صاحبتى فى 2 طب قالتلى انهم عرفوا ان المستشفى هتتقصف فنقلوا كل حاجة لمركز رابعة .. والمستشفى اتحرقت وهى خالية الحمد لله ! بعد كده وانا واقفة عند المنصة واحدة قدامى بالظبط كانت بتوزع تمر جتلها رصاصة فدماغها .. و يادوب بداقيق بعدها واحد تانى قدامى اتقنص فدماغه ومخه طلع برآ .. والمشهد ده اتكرر كتير طبعاً .. بعدين بئا الوضع ان كل حاجة بتولع وغاز بيترمى متواصل والشهداء بيتساقطوا ومش عارفين نعمل حاجة ! من المشاهد اللى تدل ان ربنا استحالة يخذلنا واحنا مقبلين عليه .. لما كان المشايخ ع المنصة بيقولوا عايزين شباب يروحوا يحموا المستشفى الميدانى أو يروحوا لإخوانهم عند طيبة مول .. بعد كده يقولوا أين عشاق الشهادة فليذهبوا إلى المستشفى أو المنطقة الفلانية .. وتلاقى شباب كتير جداً يطلعوا يجروا فى الاتجاه ده لحد ما يقولوا خلاص كفاية ماحدش يروح هناك تانى ! وبعد ما حرقوا الخيام الجيش نزل من المدرعات حط أسلحة فى الخيام وصورها .. على أساس ان اللى فى رابعة معاهم أسلحة عشان كده يستحقوا الإبادة ومكافحة الإرهاب وشوية الخرط اللى بيقولوه ليل نهار ! واحنا لو كان معنا أسلحة يا مغفلين كان أستشهد مننا كل ده !! نرجع للموضوع .. بعد كده أخ قالنا ادخلوا المسجد الوقتى كانت حوالى الساعة 5:20 .. مسجد رابعة .. دخلنا شوية واترمى علينا جوا المسجد غاز .. طبعاً كنا هنتخنق تماماً .. وبعد كده اشتغلوا رصاص حى جوا المسجد .. كله انبطح والرصاص بقى ييجى فى العواميد واجزاء من العواميد تقع علينا .. فتات من العواميد يعنى .. و بعد كده لقينا المنصة بتتحرق .. والمنصة جمب المسجد بالظبط .. وطبعاً المولدات اللى كانت تحت المنصة انفجرت ودى لواحدها كارثة ! بعد كده قالوا المسجد هيتحرق واحنا شايفين النار داخلة علينا وكل حاجة بتولع حوالينا .. قالولنا نطلع من المسجد .. حرم المسجد وفضلنا عند الباب الحديد بتاع المسجد .. كان فى مشمع خيام على سور المسجد فهما مش شايفين مين واقف أو قاعد .. والضرب كان مكثف جداً بالاتجاه ده .. لكن عشان كنا منبطحين ما جاش رصاص فينا الحمد لله ! بعدين سمعنا صوت انفجار فظيع .. طلع صوت انفجار لودر من عندهم .. ده غير ان طول اليوم فجأة نسمع صوت انفجارات بشعة فى أنابيب كانت فى الخيام وطبعاً مع النار انفجرت .. وفى كان ضرب بالآر بى جى قذائف حارقة وقذائف صوت وقذائف هوآ .. وواحنا قاعدين فى الجزء ده واحد من الشباب قالنا إن اتنين وقعوا استشهدوا جمبوا ومش عارف يشيلهم والبلدوزر جاى ناحيتهم .. قام البلدوزر شايلهم مع الطوب .. طبعاً الله أعلم همّا فين دلوقتى وجثثهم فين ! بعدين المسجد بدأ يتحرق والنار تزيد فيه .. قالوا لازم نخرج .. لسه جاية انا واختى نخرج من الباب الحديد بتاع المسجد رموا قنبلة غاز على الباب .. واتخنقنا وطلعنا نجرى على جوا تانى .. لحقونا بخل وبيبسى .. وكان معانا أطفال ونساء تانيين ساعتها .. واتفرقنا بسبب القنبلة .. ماعرفناش نشوف بعض تانى .. بعدين خرجنا من المسجد لقينا كمية شهداء لا حصر لها على الأرض متكفنين جنب بعض كانوا خرجوهم من المستشفى الميدانى ومسجد رابعة عشان ما يتحرقوش قعدت أصوت أول ما شفت المنظر بعدين كملنا جرى ناحية شارع النصر المؤدى ليوسف عباس .. اللى هو شارع النصب التذكارى .. والضرب مستمر ناحيتنا بالمدرعات بكثافة .. يعنى واحنا بنجرى كنا ماقلمين نفسنا على أى رصاصة .. روحنا هناك اتحمينا فى الإخوة كان كلهم متجمعين هناك .. رموا غاز تانى .. والضرب شغال مشغلين البيان بتاع السماح لينا بالخروج الآمن وبشكل سلمى ! وطبعاً مش كل الجثث الإخوة عرفوا يحافظوا عليها لإن العدد مهول ففى جثث اتحرقت وفى جثث اتسرقت وفى اتدهست بالدبابات والمدرعات وفى ناس اتقنصت فى الخيام واتحرقت الخيام بعد كده بيها ! طب نقول إيه طيب !! .. حسبنا الله وكفى به حسيباً .. بعدين خرجنا كلنا من هناك .. وخلوا الرجالة يرفعوا إيدهم وهمّا خارجين زى أسرى الحرب .. و ضرب وإهانة .. وكل كلمة لأى شاب بطلقة رصاص جمبه او عند رجله او فوقه من الظابط ! يعنى مثلاً يقوله هات بطاقتك ويقوم ضارب رصاصة ! شغل ناس خسيسة وجبانة يعنى .. بعدين فضلنا ماشيين لحد ما لقينا مسجد اسمه نورى خطاب .. يادوب دقايق والإخوة قالولنا يلا بسرعة المسجد هيتحاصر لازم نخرج .. بعد اما خرجنا مشينا شوية لقيت أنا واختى واحدة وأخوها من دمياط و واحد من المنصورة وطفل من الشرقية كان باباه سابه فى الميدان على اساس هيروح يجيب حاجات وهدوم ويرجعله تانى يوم بس ماعرفش يرجع بسبب المذبحة وفضل واحده هناك .. المهم مشينا حوالى ساعتين من ساعة ما خرجنا من الميدان لحد ما قابلنا واحد قالنا تعالوا عندنا لإن ماينفعش تطلعوا الوقتى من القاهرة ممكن تعتقلوا .. وبالفعل طلعنا معاهم إحنا كنا مع زوجته وبناته وكان فى نساء تانيين شافهم برده قالهم ييجوا .. والشباب أخدهم فى شقة تانية فى نفس العمارة .. و جزاهم الله كل خير قاموا معانا باللى أكتر من الواجب .. وتانى يوم الأخ اللى من المنصورة رجعنا بورسعيد ووصلنا الطفل اللى من الشرقية لخالته فى القاهرة ورجع البنت وأخوها لدمياط .. ربنا يجزى كل اللى وقف معانا كل خير .. ده كان اليوم .. وأكيد فى ناس كانت فى مواقع تانية من الميدان ياريت كل واحد يكتب إيه اللى حصل وإيه اللى شافه لعل الناس تفوق وتفهم ..

No comments:

Post a Comment