Sunday, August 25, 2013

شاهد عيان - 36 -





رقية محمد الخضري




أكتب الآن شهادتي على ما رأيته في #مجزرة_فض_رابعة

خرجت من المسجد الساعة 3:00ص تقريباً 
وقفت تأمين أمام المنصة أنا ومروة
صلينا التهجد والوتر ثم الفجر وأثناء ذلك كنا نشعر بحالة استنفار في الميدان والإخوة على المنصة يستخدمون المنظار والليزر لرؤية أسطح المباني حولنا ..

بعد الفجر وعلى غير العادة وجدنا اخواننا يحمسوننا ويهتفون ويقولون :الناس الـ دخلت الخيام اخرجـوا كله يخرج احنا انهاردة مطبقين ! 
قلنا الأذكار مع د.محمد عباس وظللنا نهتف ... وما زال الميدان في حالة استنفار 
وزعت علينا مسؤلة تأمين المنصة قناعات الغاز ..
أخبرنا د.البلتاجي أن مدرعات ومجنزرات الجيش والشرطة في طريقها الآن إلى الميدان .... وظل الهتاف#اثبت_مكانك_احمي_ميدانك 

الساعة 6:55 ص بدأنانشوف دخان أسود كثيف جداااااا يتصاعد من ناحية مدخل طيبة مول وسمعنا أصوات طلقات النيران على من كل نواحي الميدان ! 
ظللنا نكبر وثبتنا ولم نتحرك من أماكننا ... إلى أن جاءتني مسؤلة التأمين وأخذتني أنا وعائشة إلى المسجد .. أرادتنا أن نقف تأمين لنراقب الأوضاع هناك ..
كان المسجد ملئ بالنساء والأطفال وقتها ..والأطفال يبكون بكاءا يمزق القلب.. وقفنا أمام باب المسجد المقابل لباب قاعة 2 المركز الإعلامي الذي تحول أثناء الضرب إلى مستشفى ميداني !

وقتها الساعة كانت 7:20 جاءت أول إصابة أراها من باب المسجد الخلفي المطل على شارع أنور المفتي الذي به مدخل تأمين وقد بدأ الضرب هناك ! 
والرصاص يتساقط بكثاااااااااااااافة من كل جاانب .... 
ظل المصابين في تزايد وكلهم إصابات خطيرة ودمائهم تسيل منهم بغزارة شديدة حتى قبل وصولهم للمستشفى!

بدأت رائحة الغاز المسيل تصل إلينا أمام المسجد واطفال كتير ورضع بقوا يجيبوهم المسجد بسرعة عشان كانوا هيموتوا مختنقين من الغاز 
جبنا خل وبيبسي واعدنا نغسل وشنا مقدرناش نستحمل دخلنا المسجد كان زحمة جداا مفيهوش نفَس ولا موضع قدم!!
كان ضملة وكل الشبابيك متقفلة عشان الغاز وكانوا عايزين كمان يقفلوا الباب لولا ان الناس الهاربين من الخارج ومن الغاز دخولهم الكثيف كان مانع ! 

انا وعائشة كنا نريد الخروج بأي طريقة حتى نطمئن على أخواتنا اللاتي تركناهن جميعا امام المنصة !! 
استطعنا الخروج بصعوبة وسط الغاز الكثيف كان الجو مملوء بالدخان الأسود والغاز المسيل للدموع وصلنا أمام المنصة وجدناها ما زالت تعمل ومازال الناس أمامها ثابتون صامدون رغم كثافة الغاز والرصـــاص الذي يطلق من جميع الجهات 
التقيت أخيرا بأخواتي واطمئننت عليهن وعلى مروة ... ووقفنا جميعاً نحاول استنشاق أي ذرة هواء تخلو من الغاز! 
وفجأة ازدا الغاز ولم أشعر بنفسي إلا وقد أغمي علي وسقطت أرضاً ... أسعفني من كانوا حولي فأفقت سريعاً وفوراً سقطت مروة! 

حملتها أنا وخديجة اختها وكنا بالكاد نستطيع الرؤية من شدة الغاز وحرارته على أعييننا قادونا الشباب إلى مكان يمين المنصة من ناحية شارع الطيران جلسنا فيه كان ملئ بالنساء والأطفال ! 
مروة كانت تعبانة جدا وكانت حاسة ان روحها بتطلع مقدرتش اطلع واسيبها .. فضلت معاها وهي وخديجة ... بعد شوية الأخوة على المنصة قالولنا ان الكلاب بدأو يدخلوا الميدان فعلا ويدخلوا الخيام في شارع الطيران ويحطوا فيها أسلحة ويصوروها على إنها بتاعتنا!!! 
وفي شارع النصر بيحاولوا يحرقوا المستشفى الميداني عشان يخفو جريمتهم ويخفوا الجثث الـ فيه ! 

فضلنا في المكان ده والرصاص لاا يتوقف ولاااا يقل بل كان يزدادا جدا 
بعد أذان الظهر وحوالي الساعة 1:00م خرجنا وسط الرصاص الكثيف مشينا بين الخيام ودخلنا المسجد من الباب المطل على شارع الطيران وذهبنا إلى مركز رابعة الطبي ..
دخلنا المركز فإذا به لا يخلو به موضع قدم من شهيد أو مصاب ! والدماء تغرق المكان ! 
وزحام الأحياء أشد ! صعدنا الأدوار العليا فإذا بها أشد وأشد من سابقيها! 
في الدور الثاني رأينا الشهداء مرصوصون بجانب بعضهم البعض ووجوهم كالبدر المنير 


دخلنا احدى غرف المركز افترشنا أرضها من شدة التعب ! 
وجدنا أحد نوافذ الغرفة قد أطلق عليه رصاصة اخترقته واخترقت الحائط المقابل له .. 
فكنا نتحرك داخل الغرفة منبطحين 
ووصلنا نبأ استشهاد أسماء البلتاجي ..

اتصلت بأختى دينا أطمئن عليها وقد حاولت الإتصال بها مرارا وبجميع أخواتنا ولكن الشبكة كانت ضعيفة جدااااااا
أخيرا أجابتني وأخبرتني أنها في نفس المركز الطبي في العناية المركزة مع أختنا ام سميرة رفيقة خيمة الإعتصام والتي صيبت بطلق ناري في رأسها ..
صعدت إليها فوراً رأيت مصابين ملقون أرضاً لا يجدون من يسعفهم والمكان ضيق جدااا والناس يمرون فوقهم .. مشهد لا أنساه أبدا ..

دخلت العناية صدمت من هول المنظر ... خالتو رصاصتها قسمت رأسها نصفين!! وعينيها زرقاااااء ومتورمة 


كانت باردة جدا ووجها شاحب .. مازالت الرصاصة داخل رأسها لصعوبة استخراجها هنا ولكنهم ينعشونها ببعض الأجهزة ..... وينتظرون ارتقائها! 



بجانب سرير خالتو كانت ترقد طفلة على الأرض مغطاة بالكامل وبجانبها امرأة كبيرة لا يظهر عليها علامات البكاء وشابان آخران !
قالت لي دينا :دي طفلة صغيرة معرفش اسمها ..
أخبرت دينا بنبأ استشهاد أسماء البتاجي فظننا أنها ربما تكون هي قلتلها ما تسألي خالتو دي الـ اعدة جنبها قالتلتي لأ طبعا مقدرش دي مامتها ! 
تعجبت جدا حين أخبرتني أن تلك والدتها من شدة ثباتها! ما شاء الله  

مكثت في هذا المكان حوالي ربع ساعة ثم عدت إلى مروة وخديجة في الدور الثاني .. وجدت مرض مروة يشتدوكانت تشعر باختناق شديد فصعدنا بها إلى العناية لنجد أي جهاز تنفس ... ولكن بالطبع لم نجد!

حين صعدنا لم أجد الطفلة ولا أهلها .. أخبرتني دينا أنها بالفعل كانت أسماء وأن والدها جاء ودعها وانصرفوا بها ...

جلسنا على الأرض ننظر إلى خالتو وننتظر مصيرنا ...
زاد الرصاص والضرب بشكل رهيييب وبدأت قنابل الصوت تهز المكان 
وبدأت الدبابات تضرب في المستشفى وهو يهتز بنا .. وانفجرت مواسير المياه 
ونحن جلسنا نفكر في الجنة وننظر لبعضنا نظرة وداع !..
سمعنا صوت تحطم الباب الزجاجي للمستشفى وأدركنا أنه قد تم الإقتحام!
كنا جميعا نتمنى الشهادة سريعاً لنرتاح من هذا الكابوس ومن هذه الدنيا ومن هؤلاء الوحوش .. كنا بنقول اقتلونا بقا يلا وريحوووووونا

أدخلنا الشباب غرفة صغيرة داخل غرفة العناية فتغشانا النعاس فيها من شدة الإرهاق وواله تمنيت أن لا أستيقظ مرة اخرى !
تمنيت أن يكون كابوساً وسينتهي!
لا ادري المدة التي نمناها تحديداً تقريباً ربع ساعة او اقل واستيقظنا وهم يخبرونا أنهم فتحوا لنا طريق ولابد لنا من النزول فورا والخروج من هنا وإلا سيتم قتلنا أو اعتقالنا !
لا حظت حينها توقف أصوات الرصاص ! كانت حوالي الساعة 6:15 م

دينا رفضت النزول وترك خالتو بدون أي إثبات هوية خوفاً من عدم وصول أهلها إليها حاولنا كثيرا اقناعها لكنها رفضت رفضا تاماً!

نزلنا أنا وخديجة ومروة وفوجئت بكلاب الشرطة في الدور الأرضي يرتدون الزي الأسود ويمسكون بنادقهم وينظرون لنا نظرة شماته ويبتسمون !
وقالوا لنا بشماته : مش البيت سترة برضو؟ يلا يلا متخافوش مش هنعملكو حاجة!!

خرجنا من المستشفى من الباب الخلفي المطل على شارع انور المفتي خلف مسجد رابعة .. والناس يخرجون كأسرى الحرب تماماً! 
والكل يحاول حمل من يستطيع من شهداء ومصابين!
المكان كان خراباً كان محروقاً والدخان كثيف ! لم أعرفه! لا لم تكن هي رابعة !
صحبنا الشباب حتى يوصلونا إلى مكان آمن .. حتى وجدنا إخوة من بورسعيد أخذونا إلى شوارع جانبية خلف رابعة 
حينها رأيت سميرة ورضوى التي ترقد والدتهم تنتظر الشهادة! 
أشفقت عليهم كثيرا كانوا في حالة انهيار .. لم أستطع الوقوف لتثبيتهم ولكني حاولت أن أصبرهم بكلمات بسيطة وانصرفت مع من كنت معهم....
أثناء الطريق اخبرونا أن كلاب الجيش والشرطة رفضوا خروج جثث الشهداء من المشفى وأنهم ينووون حرقها !
حينها فقط انفجرت بكاءا خوفا على دينا التى لا أعلم مصيرها ...

ظللنا في تلك الحالة الهستيرية حتى وصلنا إلى مسجد فاطمة الزهراء بجوار جنينة مول .. وبدأنا نبحث عن كل من نعرف ونستقبل أخبار استشهاد الكثيرين .. وجدنا هناك م.محمد زكريا امين الحزب في بورسعيد ومعه جثمان ابنه عمر الشهيد ! 
مكثنا في المسجد بضع ساعات صلى الإمام بنا المغرب بآيات جاءت في وقتها 
أسميتها آيات "الطبطبة"

وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ

مكثنا فيه بضع ساعات حتى سمعنا أصوات الرصاص بالخارج مرة أخرى فخرجنا وتوجهنا إلى مكان آمن ..كان هناك حظر تجول وكانت الشوارع تخلو من أي بشر كان ...

شهادتي على ما رأيت يوم 14/8/2013
في مجزرة فض رابعة العدوية 
يوم لن أنساه ..... كل حزني ان ربي لم يختارني .. ولكن عل شهادتي تكونعلى أعتاب الأقصى ان شاء الله 

No comments:

Post a Comment