Thursday, August 22, 2013

شاهد عيان - 28 -


أحمد الخولي




 يوم المحنة والمنحة
أكتب بعد مرور أسبوع على الاحداث والمشاعر تعتصر القلب .. أحباء كانوا بيننا وصاروا فى قبورهم .. أصدقاء مصابون نخشى أن يلحقوا بالأحباء من شدة إصاباتهم وآخرون معتقلون لا ندرى ماذا يُفعل بهم

البداية

- أبدأ من بعد صلاة العشاء يوم الثلاثاء و مسيرة حاشدة من مسجد السلام تصل رابعة قرب منتصف الليل .. خرجت من الميدان عند الشروق .. بمجرد وصولى للمنزل عرفت بتواجد آليات الشرطة على اطراف الميدان .. عدت إلى الميدان ودخلت من ناحية جنينة مول ركنت سيارتى و أول من رأيت كان صديقى محمد شرف (وقد عرفت بعدها أنه أصيب بخرطوش و برصاصة أسفل قلبه وهو فى المستشفى الآن أسأل الله أن ينجيه و يشفيه ) واتجهنا سويا إلى شارع أنور المفتى الذى بدأوا الاقتحام منه وهو شارع جانبى خلف طيبة مول ...
- بدأ الاقتحام حوالى السابعة إلا ربع و بدأ الاقتحام مع الاصابات المباشرة بطلقات الرصاص الحى حتى إننى رأيت بعينى مصاب يده متهتكه من الرصاص .. لم يكن هناك لا فض بالمياه ولا تصاعد فى الفض كما يزعمون إلا لو كان الرصاص الحى أول أساليب الفض .. لأن ما جاء بعده كان أسوأ ...
- دخلت الميدان من شارع المرور وكان قصف قنابل الغاز بغزارة شديده .. نظرت تجاه مدخل طيبة مول رأيت شيئا عجيبا .. اختراع كده عبارة عن ماسورة يخرج منها ألسنة من النيران تم استخدامها من المقتحمين فى حرق بناء خشبى كان يستخدمه المعتصمون ك برج مراقبه .. وصار هشيما فى ثوان معدوده .. كانت النيران تزداد بشده من هذا الجانب ...
- كان الغاز كثيفا جدا ومن كل الأماكن المحيطة .. ويذكر أن الاعتصام الذى استمر48 يوما لم يخدش نافذة زجاجية فى أى مبنى عسكرى محيط بينما تم استخدام كل تلك المنشآت العسكرية فى قصف الميدان بكل أنواع السلاح ...
- ذهبت تجاه المسشفى الميدانى بين المرور ومسجد رابعة من الخارج واستقبلت مصاب جاء محمولا من بعض الشباب .. حاول المسعف عمل إنعاش ل قلبه وتوقف من التعب .. عرضت عليه أن أكمل عملية الانعاش - وفعلت بعدما نظفنا صدره من آثار الدماء بحثا عن مكان الإصابه.. ووجدنا ثقب الرصاصة يخترق رقبته وهو المكان الشهير الذى يصيبه القناصة فى رقاب المعتصمين ... كررت عملية انعاش القلب وكنت أشعر بنبضه أو ربما كان نبضى أنا لا أعرف .. لكنى رأيت عينيه توقفتا عن الحركة وعندما سألت الطبيب وجدته يغلق جفنيه و يطلب منا أن نذهب به للمستشفى بعد أن فاضت روحه ... لحظات لا يمكن وصفها وأنت ترى إنسان يحتضر أمامك ولا تستطيع أن تفعل له شىء ... اللهم تقبله فى الشهداء..

المستشفى الميدانى الرئيسية

حملناه للمستشفى الميدانى الرئيسية.. وهى القاعة التى تقع على طريق النصر بين المرور وبين مسجد رابعة  ... كان قد مر حوالى 45 دقيقة على الاقتحام و يخبرنى طبيب فى المستشفى أن هناك حوالى 40 روحا قد أزهقت بواقع حوالى نفس بشرية كل دقيقة و معظمها بالرصاص الحى ... رأيت بنفسي آثار ذلك الرصاص العجيب وهو يقطع من اللحم قطعا فى أماكن الإصابة ...شىء لا يمكن تصوره .. ولن أتحدث عن كم الأطفال والرُضًّع الذين وجدتهم فى حالات اختناق من الغاز ..
خرجت من المستشفى لعلى أترك مكانى لمصاب يحتاجه ... إذا بى أرى عادل محمولا من آخرين .. ساعدتهم فى حمله من أسفل رأسه ورأيت حنجرته و الدم يفور ن رقبته .. وكان عادل مبتسما مشيرا لى بعلامة النصر و ردد خلفى الشهاده بشفتيه وقبلنى على جبينى وكأنه فى قمة لحظات سعادته وليس بين الحياة والموت ...

المستشفى الميدانى قاعة 2

قاعة2 هى القاعة الخلفية للمستشفى الميدانى الرئيسى وهى احدى دور الماسبات الملحقة لمسجد رابعة ... دخلت بعادل هناك وكان هناك صعوبة فى إيجاد مكان على الأرض من كثرة المصابين والدماء التى  ملأت المكان .. جاء أحد الأطباء و حاول أن يضع أنبوبا فى فم عادل كى يساعده على التنقس .. لكنه لم يتحمل .. تذكر أن مع كل حركة ل عادل ينفض دمه من رقبته .. فعندما رآه طبيب آخر كان يسعف حالة بجوارنا قال له أنت لا تحتاج لهذا فيمكنك وضع الأنبوب فى رقيته المفتوحة مباشرة .. وفعل ولكن عادل كان ينظر لى مشيرا إلى فتحتى أنفه بإشارة تفهم منها أنه يحتاج إلى هواء .. أعطيته تنفسات صناعية من فمى وسألت الطبيب ماذا يجب أن نفعل قال يجب أن يذهب لأقرب مستشفى حالا ... لكن كيف نحمل عادل .. لا يمكن حمله بدون نقاله .. فضلا على أنه لا يوجد سيارات إسعاف متاحة أصلا ...
صرخت بأعلى صوتى أنى فى احتياج شديد لنقاله .. تحركت بين المصابين (عفوا فوق المصابين) علّى أجد أحدا منهم فى حالة تسمح بأن أستعير نقالته وأضعه على الأرض .. فإذا بى أرى مصابا بطلق نارى فى البطن وآخر فى الظهر و ثالث شيخ كبير مصاب بخرطوش فى عينه ... قررت الخروج من باب المستشفى لأجد نقالة نص عمر مليئة بالدماء فأخذتها و حملنا عادل وسط ضرب قنابل الغاز فى محيط المستشفى ..لدرجة أن المستشفى أغلقت الباب فى وجه المصابين لفترة من الزمن حتى لا يتسلل الغاز لمن بالداخل ... و فى الطريق رأيت صديقى عبد الرحمن فرج (استشهد بعدها برصاص فى الصدر - أسأل الله أن يتقبله شهيدا) .. وهو الذى ساعدنى فى  حمل النقالة حتى وجدنا فتاة (من الفتيات الرجال) تعرض علينا أن نوصله للمستشفى بسيارتها ... لا أدرى ما حال عادل إلى الآن .. أدعو الله أن يكون على قيد الحياة ...أو أن يتقبله من الشهدء إذا فاضت روحه للسماء ...

- عدت للميدان ناحية شارع الطيران حيث مقاومة الاقتحام من هذا الجانب ... وبالمناسبة كان هناك قناص ناحية مبنى المرور يقصف  من كان يدخل أو يخرج من مستشفى رابعة .. كله يعدى وهو و نصيبه ....
- المشهد عند مدخل شارع الطيران كان مهيبا جدا ... ساحة من ساحات المعركة من طرف يقصف بالغاز والخرطوش والآلى بغزارة وقنابل صوت .. كنت تسمع نداء الشرطة بفض الاعتصام فى المكبرات مؤكدين أنهم يحرصون على الدماء أمام الكاميرات وتجد من يتم قنصه بجوارك بعيدا عن الكاميرات .. قمة فى الخسة والتدليس ...
- رجل لم يخذلنى ... هو المهندس فاضل سليمان .. رأيته كثيرا ذلك اليوم ... كان يوصى الشباب بالدعاء ... كان فى الصفوف الأولى دوما .. حاولت أن أعطيه أحد زجاجات العصير فرفض و طلب أن أعطيها لشخص آخر قد يكون فى احتياج أكثر منه .. وأذكر هنا أن كثيرا من المعتصمين كانوا بفعلون ذلك إما لأنهم صائمون أو لإيثار غيرهم على أنفسهم ..
- جاءت مسيرة كبيرة من مسجد السلام من الشوارع الجانبية وعدت بعدها لسيارتى لشحن الهاتف قليلا ... كان بصحبتى حينها صديقى حاتم .. وجدنا رجلا يبكى فى الطريق .. وعندما سألناه قال ... ابنى مات ...
- عدت بعدها لنفس الموقع وكانت محاولات الكر و الفرمستمرة ...

أسلحة المعتصمين المادية

كان السلاح هو الطوب ورأيت نبلة واحده بها طوب وبعض أنصاص قوالب الطوب الأحمر مربوطة بخيط لتوسيع مدى القذف وأقصى ما رأيت كان بعض زجاجات البيبسى يتم تعبأتها ببنزين (مايطلق عليها مولوتوف) ولم يكن هناك حتى ولاعات لاستخدامها .. وكان عددها قليل... وأشهد الله أنى ما رأيت سلاحا مع المعتصمين بعينى غير هذا ..
ومن الجدير بالذكر أيضا أن الصناديق الخشبية التى صورها الإعلام إياه كانت توابيت رمزية استخدم المعتصمون بعضها مع بعض فروع الشجر لحرقها حتى تقلل من تأثير الغاز
بينما كانت أسلحة الداخليه تتنوع بين الآلى الكثيف جدا وقنابل الغاز وقنابل الصوت و الخرطوش بالإضافة للقنص الذى يحيط بك من كل مكان ... وكانت هناك طائرة تقف على ارتفاع منخفض ..
- نساء لا تنسى :
رأيت سيده كانت ترتدى جلبابين .. رفعت الجلباب الخارجى وكانت تكسر الطوب و تضعه فى حجرها حتى تنقله للصفوف الأولى ..
سيدة أخرى لم تتوقف عن شحن همة الرجال بتذكيرهم بالدعاء .. كانت تسير بيننا تمدنا بطاقة غريبة ... ولا أكون مبالغا لو قلت أنها ظلت تفعل ذلك مده لا تقل عن 7 ساعات
- رجال لا تنسى : صاحب السوبر ماركت الذى أغلق دكانه لكنه ترك كل ثلاجات البيبسى والعصير وكان الناس يأخذون ما يريدون ويضعون ثمن البضاعة فى درج بالثلاجة ...ولم يتعد أحد على شىء ولم يأخذ أحد شيئا بلا مقابل .. بل كانوا يضعون نقودا أكثر حينما لا يوجد لديهم فكة ... وأذكر أن هذا الرجل طيلة أيام رمضان إذا افترب آذان الفجر كان يقول للناس الحقوا اتسحروا الأول وبعدين حاسبونى ... لو لم أعش هذه الأحداث بنفسي لقلت أنها فقط تُكتب فى قصص التاريخ والحكايات ..

مجزرة جديدة و بدأ اقتحام الميدان

- حتى الساعة الرابعة إلا ربع لم تتمكن الداخلية من اقتحام الميدان وكان الصمود رائعا من هذا المدخل ناحية شارع الطيران بجوار بنزينة موبيل ... ولكن فى هذا التوقيت تدخلت قوات المظلات العسكرية... وبدأت عملية دك فى مدخل الميدان ناحية شارع الطيران .. قل كل شىء عن الأسلحة الغزيرة والبعيدة المدى والرصاص الآلى الذى لا يتوقف مع القنص المتواصل
سقط بجانبى رجلان كانا عائدين من خط المواجهة بطلقات فى الظهر ..كان الرجل يسقط بلا تأوه ... فقط يسقط .. نحاول أن نحمله فتجد آخر يسقط ... حملت حينها مصابا برصاصة  فوق ركبته وذهبنا به لمستشفى ميدانى فى مدخل احدى العمارات ونحن نترك الميدان كنا تحت الضرب بالرصاص من الجانب الآخر (أنور المفتتى وطيبة مول) وهذا يؤكد أنها كانت إبادة وليست محاولة للفض فنحن فى طريقنا لخارج الميدان !!!
أوقفنا نزيف هذا الرجل وكان قد أصيب فوق ركبته بطلقة خرجت من فخذه ... وامتلأ المكان بالقتلى والمصابين فى دقائق معدوده ... ومع هذا .. ظل الضرب والغاز فى اتجاه المستشفى بمدخل العمارة مكملا على من فيه ..
انتهى يومى معهم ويمكن أن تقرأوا شهادات أخرى عن كيفية اقتحام الميدان و حرق المستشفى الميدانى والمسجد فما شاهدته فى اليوم التالى فى مسجد الإيمان هو نتاج هذا الاقتحام من جثث متفحمة ومشهد رهيب لا يمكن وصف تفاصيله ...

No comments:

Post a Comment